{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} .
لما كان المتشابه مزلة الأقدام ومدرجة الزائغين إلى الفتنة وصل الراسخون الإقرار بالإيمان به بالدعاء بالحفظ من الزيغ بعد الهداية ، فإنهم لرسوخهم في العلم يعرفون ضعف البشر وكونهم عرضة للتقلب والنسيان والذهول ويعرفون أن قدرة الله فوق كل شيء وعلمه لا يحاط به ، وهو المحيط بكل شيء فيخافون أن يستزلوا فيقعوا في الخطأ والخطأ في هذا المقام قرين الخطر ، وليس للإنسان بعد بذل جهده في إحكام العلم في مسائل الاعتقاد وإحكام العمل بحسن الاهتداء ، إلا اللجأ إلى الله تعالى بأن يحفظه من الزيغ العارض ويهبه الثبات على معرفة الحقيقة ، والاستقامة على الطريقة ، فالرحمة في هذا المقام هي الثبات والاستقامة .واختاره الأستاذ الإمام .أقول:ولا تلتفت في معنى الآية إلى مجادلة الأشعرية للمعتزلة في إسناد الإزاغة إلى الله تعالى فإنه تعالى يسند إليه في مقام تقرير الإيمان به وذلك لا ينافي اختيار العبد في زيغه .فقد قال تعالى في سورة الصف:{ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [ الصف:5] ولكل مقام مقال .
ومن مباحث الألفاظ في الآية أن قوله تعالى:{ من لدنك} معناه من عندك فإن"لدن "تستعمل بمعنى عند وإن لم تكن مرادفة لها بل هي أخص وأقرب مكانا ولا للذي ، فقد فرقوا بينهما بخمسة أمور .ولا تستعمل لدن إلا في الشيء الحاضر فهي أدل على الاختصاص .فهذه الرحمة المطلوبة منه في هذا المقام هي العناية الإلهية والتوفيق الذي لا يناله العبد بكسبه ، ولا يصل إليه بسعيه ، ويؤيد ذلك التعبير بالهبة ووصفه تعالى بالوهاب فإن الهبة عطاء بلا مقابل .