قوله:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} التجافي ،عدم لزوم المكان{[3677]} وذلك وصف من الله للمؤمنين العابدين فإنهم تترفع جنوبهم وتتنحى عن الفرش ومضاجع النوم حيث الدعة والاسترخاء والدفء ،مبادرين القيام في همة من أجل الصلاة .فهم بذلك يؤثرون الصلاة والعبادة والدعاء على الفراش والركون للنوم والراحة .والمراد بذلك قيام الليل .وقيل الصلاة ما بين العشاءين ،أي المغرب والعشاء الآخرة .
قوله:{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} أي يعبدون الله في الليل قياما ودعاء وتسبيحا خوفا من عقاب الله الوبيل وطمعا منهم في جزيل ثوابه ورضوانه .
قوله:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وهذه صفة أخرى يصف الله بها عباده المؤمنين الصالحين وهي إنفاقهم مما رزقهم الله من المال في وجوه البر والخير والطاعة .وفي هذا الصدد روى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفره فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير ،فقلت: يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار .قال:"لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه ،تعبد الله ولا تشرك به شيئا ،وتقيم الصلاة ،وتؤتي الزكاة ،وتصوم رمضان ،وتحج البيت "ثم قال:"ألا أدلك على أبواب الخير ؟الصوم جنة ،والصدقة تطفئ الخطيئة ،وصلاة الرجل في جوف الليل "ثم قرأ{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتى بلغ{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ثم قال:"ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟"فقلت: بلى يا رسول الله فقال:"رأس الأمر الإسلام ،وعموده الصلاة ،وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله "ثم قال:"ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟"فقلت: بلى يا نبي الله ،فأخذ بلسانه ثم قال:"كف عليك هذا "فقلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟فقال:"ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم – أو قال على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم ؟!"قال الترمذي عنه: حسن صحيح .