ثم قال [ تعالى:( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) يعني بذلك قيام الليل ، وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة . قال مجاهد والحسن في قوله تعالى]:( تتجافى جنوبهم ) يعني بذلك قيام الليل .
وعن أنس ، وعكرمة ، ومحمد بن المنكدر ، وأبي حازم ، وقتادة:هو الصلاة بين العشاءين . وعن أنس أيضا:هو انتظار صلاة العتمة . رواه ابن جرير بإسناد جيد .
وقال الضحاك:هو صلاة العشاء في جماعة ، وصلاة الغداة في جماعة .
( يدعون ربهم خوفا وطمعا ) أي:خوفا من وبال عقابه ، وطمعا في جزيل ثوابه ، ( ومما رزقناهم ينفقون ) ، فيجمعون بين فعل القربات اللازمة والمتعدية ، ومقدم هؤلاء وسيدهم وفخرهم في الدنيا والآخرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال عبد الله بن رواحة ، رضي الله عنه:
وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الصبح ساطع[ أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
به موقنات أن ما قال واقع] يبيت يجافي جنبه عن فراشه
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وقال الإمام أحمد:حدثنا روح وعفان قالا حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"عجب ربنا من رجلين:رجل ثار من وطائه ولحافه ، ومن بين أهله وحيه إلى صلاته ، [ فيقول ربنا:أيا ملائكتي ، انظروا إلى عبدي ، ثار من فراشه ووطائه ، ومن بين حيه وأهله إلى صلاته] رغبة فيما عندي ، وشفقة مما عندي . ورجل غزا في سبيل الله ، عز وجل ، فانهزموا ، فعلم ما عليه من الفرار ، وما له في الرجوع ، فرجع حتى أهريق دمه ، رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي . فيقول الله ، عز وجل للملائكة:انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي ، ورهبة مما عندي ، حتى أهريق دمه ".
وهكذا رواه أبو داود في "الجهاد "، عن موسى بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، به بنحوه .
وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن معاذ بن جبل قال:كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأصبحت يوما قريبا منه ، ونحن نسير ، فقلت:يا نبي الله ، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار . قال:"لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ". ثم قال:"ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وصلاة الرجل في جوف الليل ". ثم قرأ:( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) ، حتى بلغ ) يعملون ) . ثم قال:"ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ "فقلت:بلى ، يا رسول الله . فقال:"رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ". ثم قال:"ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ "فقلت:بلى ، يا نبي الله . فأخذ بلسانه ثم قال:"كف عليك هذا ". فقلت:يا رسول الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به . فقال:ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال:على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ".
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم ، من طرق عن معمر ، به . وقال الترمذي:حسن صحيح . ورواه ابن جرير من حديث شعبة ، عن الحكم قال:سمعت عروة بن النزال يحدث عن معاذ بن جبل ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"ألا أدلك على أبواب الخير:الصوم جنة ، والصدقة تكفر الخطيئة ، وقيام العبد في جوف الليل "، وتلا هذه الآية:( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ) .
ورواه أيضا من حديث الثوري ، عن منصور بن المعتمر ، عن الحكم ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، ومن حديث الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، والحكم عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ مرفوعا بنحوه . ومن حديث حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن شهر ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قوله تعالى:( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) قال:"قيام العبد من الليل ".
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا فطر بن خليفة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، والحكم ، وحكيم بن جبير ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ بن جبل قال:كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال:"إن شئت أنبأتك بأبواب الخير:الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وقيام الرجل في جوف الليل "، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ) .
ثم قال:حدثنا أبي ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا علي بن مسهر ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ، جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق:سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم . ثم يرجع فينادي:ليقم الذين كانت ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) الآية ، فيقومون وهم قليل ".
وقال البزار:حدثنا عبد الله بن شبيب ، حدثنا الوليد بن عطاء بن الأغر ، حدثنا عبد الحميد بن سليمان ، حدثني مصعب ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال:قال بلال لما نزلت هذه الآية:( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) [ الآية] ، كنا نجلس في المجلس ، وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بعد المغرب إلى العشاء ، فنزلت هذه الآية:( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) .
ثم قال:لا نعلم روى أسلم عن بلال سواه ، وليس له طريق عن بلال غير هذه الطريق .