وقوله:( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) أي:فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم ، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد ، لما أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب ، جزاء وفاقا; فإن الجزاء من جنس العمل .
قال الحسن [ البصري]:أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر . رواه ابن أبي حاتم .
قال البخاري:قوله:( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) الآية:حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"قال الله تعالى:أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ". قال أبو هريرة:فاقرءوا إن شئتم:( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) .
قال:وحدثنا سفيان ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال:قال الله مثله . قيل لسفيان:رواية ؟ قال:فأي شيء ؟ .
ورواه مسلم والترمذي من حديث سفيان بن عيينة ، به . وقال الترمذي:حسن صحيح .
ثم قال البخاري:حدثنا إسحاق بن نصر ، حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، حدثنا أبو صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"يقول الله تعالى:أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ذخرا من بله ما أطلعتم عليه "، ثم قرأ:( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) .
قال أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، قرأ أبو هريرة:"قرات أعين ". انفرد به البخاري من هذا الوجه .
وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه قال:هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى قال:أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ".
أخرجاه في الصحيحين من رواية عبد الرزاق . ورواه الترمذي في التفسير ، وابن جرير ، من حديث عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله . ثم قال الترمذي:هذا حديث حسن صحيح .
وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال حماد:أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من يدخل الجنة ينعم لا يبأس ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ، في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ".
رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به .
وروى الإمام أحمد:حدثنا هارون ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدثه قال:سمعت سهل بن سعد الساعدي ، رضي الله عنه ، يقول:شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة ، حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه:"فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر "، ثم قرأ هذه الآية:( تتجافى جنوبهم عن المضاجع [ يدعون ربهم خوفا وطمعا] ) ، إلى قوله:( يعملون ) .
وأخرجه مسلم في صحيحه عن هارون بن معروف ، وهارون بن سعيد ، كلاهما عن ابن وهب ، به .
وقال ابن جرير:حدثني العباس بن أبي طالب ، حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يروي عن ربه ، عز وجل ، قال:"أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ". لم يخرجوه .
وقال مسلم أيضا في صحيحه:حدثنا ابن أبي عمر وغيره ، حدثنا سفيان ، حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن سعيد ، سمعا الشعبي يخبر عن المغيرة بن شعبة قال:سمعته على المنبر - يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال:"سأل موسى ، عليه السلام ربه عز وجل:ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال:هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له:ادخل الجنة . فيقول:أي رب ، كيف وقد نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقال له:أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول:رضيت رب . فيقول:لك ذلك ، ومثله ، ومثله ، ومثله ، ومثله ، فقال في الخامسة:رضيت رب . فيقول:هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك . فيقول:رضيت رب . قال:رب ، فأعلاهم منزلة ؟ قال:أولئك الذين أردت ، غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها ، فلم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر "، قال:ومصداقه من كتاب الله:( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) .
ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر ، وقال:حسن صحيح ، قال:ورواه بعضهم عن الشعبي ، عن المغيرة ولم يرفعه ، والمرفوع أصح .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا جعفر بن منير المدائني ، حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد ، حدثنا زياد بن خيثمة ، عن محمد بن جحادة ، عن عامر بن عبد الواحد قال:بلغني أن الرجل من أهل الجنة يمكث في مكانه سبعين سنة ، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه ، فتقول له:قد أنى لك أن يكون لنا منك نصيب ؟ فيقول:من أنت ؟ فتقول:أنا من المزيد . فيمكث معها سبعين سنة ، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه ، فتقول له:قد أنى لك أن يكون لنا منك نصيب ، فيقول:من أنت ؟ فتقول:أنا التي قال الله:( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) .
وقال ابن لهيعة:حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير قال:تدخل عليهم الملائكة في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات ، معهم التحف من الله من جنات عدن ما ليس في جناتهم ، وذلك قوله:( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) ، ويخبرون أن الله عنهم راض .
وقال ابن جرير:حدثنا سهل بن موسى الرازي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان الهوزني - أو غيره - قال:الجنة مائة درجة ، أولها درجة فضة وأرضها فضة ، ومساكنها فضة ، [ وآنيتها فضة] وترابها المسك . والثانية ذهب ، وأرضها ذهب ، ومساكنها ذهب ، وآنيتها ذهب ، وترابها المسك . والثالثة لؤلؤ ، وأرضها لؤلؤ ، ومساكنها اللؤلؤ ، وآنيتها اللؤلؤ ، وترابها المسك . وسبع وتسعون بعد ذلك ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ثم تلا هذه الآية:( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )
وقال ابن جرير:حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن الغطريف ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عن الروح الأمين قال:"يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ، ينقص بعضها من بعض ، فإن بقيت حسنة [ واحدة] وسع الله له في الجنة "، قال:فدخلت على "يزداد "فحدث بمثل هذا الحديث ، قال:فقلت:فأين ذهبت الحسنة ؟ قال:( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) [ الأحقاف:16] . قلت:قوله تعالى:( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) ، قال:العبد يعمل سرا أسره إلى الله ، لم يعلم به الناس ، فأسر الله له يوم القيامة قرة أعين .