قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} .
يستفاد من هذه الآية جملة أحكام منها: أن النكاح يطلق على العقد وحده ،وهو ما يفهم من ظاهر الآية{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} .
وقد اختلف العلماء في حد النكاح ،هل هو حقيقة في العقد وحده أو في الوطء أو فيهما معا ،على ثلاثة أقوال .فهو عند الحنفية ،وكذا الشافعية في قول لهم حقيقة في الوطء ،مجاز في العقد .وعند المالكية والشافعية في الأصح من مذهبيهما ،حقيقة في العقد ،مجاز في الوطء .وقيل: إنه حقيقة في العقد والوطء بالاشتراك ،كالعين ،فهي اسم مشترك بين أكثر من معنى{[3757]} .
ومنها: إباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها ،ولا فرق في هذا الحكم بين المؤمنات والكافرات .وإنما ذكر هنا{المؤمنات} لخروجهن مخرج الغالب .
ومنها: أن الطلاق لا يقع من غير أن يسبقه نكاح ،لقوله تعالى:{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} فذكر الطلاق عقب النكاح مما يدل على أن الطلاق لا يقع ولا يصح قبل النكاح .وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم .وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وآخرين .وهو مذهب الشافعي وأحمد .وقال به آخرون من السلف والخلف ،خلافا لمالك وأبي حنيفة ؛إذ قالا بصحة الطلاق قبل النكاح .فلو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق ،فقد ذهبا إلى أنها تطلق بمجرد زواجه منها .والراجح عدم وقوع الطلاق قبل النكاح ،لظاهر الآية .ولما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا طلاق لابن آدم فيما يملك "وكذلك ما رواه ابن ماجة عن علي والمسور بن مخرمة ( رضي الله عنهما ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا طلاق قبل النكاح ".
قوله:{فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} إذا طُلقت المرأة قبل الدخول بها فإنه لا عدة عليها ولها أن تتزوج من تشاء من فورها .ولا يُستثنى من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها فإنها تعتد عدة الوفاة وهي أربعة أشهر ولو لم يكن دخل بها .وذلك كله بالإجماع .
قوله:{فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} إن طلقها قبل الدخول وكان قد سمى لها صداقا فلها نصف ما سمى من الصداق .وإن لم يكن سمى لها صداقا أعطاها المتعة على قدر يسره وعسره دون حرج في ذلك ولا حيف ،وذلك هو السراح الجميل في قوله:{وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا}{وَسَرِّحُوهُنَّ} أي طلقوهن .والسراح أو التسريح كناية عن الطلاق عند أبي حنيفة ،وهو عند الشافعي طلاق صريح{[3758]} .