( 1 ) إذا نكحتم: هنا بمعنى إذا تزوجتم أو عقدتم نكاحكم .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ( 1 ) الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ( 49 )} [ 49] .
في الآية خطاب للمؤمنين على سبيل التشريع والتنبيه يقرر لهم فيه بأنه ليس لهم فرض عدة على الزوجة التي يطلقها زوجها قبل مسها ،وبأن على الزوج المطلق أن يؤدي لمطلقته حقها من المتعة وأن يسرحها سراحا جميلا لا أذى فيه ولا ضرر .
تعليق على الآية
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}
لم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآية .وهي كما تبدو فصل جديد .أو بداية فصل جديد من فصول السورة .وقد جاءت موضحة أو مستدركة لآيات سورة البقرة [ 236237] التي وردت في صدد المطلقات قبل المسيس ،وقد احتوت آيات البقرة هذه تشريعا في صدد متعتهن ومهورهن دون عدتهن .ولقد ذكر في آية سورة البقرة [ 228] أن المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء .فمن المحتمل أن يكون الأمر قد التبس على المسلمين ،فاستفتوا النبي صلى الله عليه وسلم ،فنزلت الآية بعد مدة من نزول آيات البقرة فأمر النبي بوضعها في مقامها لحكمة غابت عنّا .ولعل ذلك بسبب كون آيات البقرة كانت مرتبة فلم ير النبي ضرورة لإخلال ترتيبها والله أعلم .وقد انطوى في الآية تعليل أو حكمة تشريع .فالعدة هي لاستبراء الرحم ولإعطاء مجال للزوج المطلق لمراجعة زوجته .فإذا لم يقع مسّ فلا يبقى محل لذلك .
ولقد ذهب بعض العلماء إلى أن الخلوة الصحيحة توجب العدة ،ولو لم يكن وطء{[1691]} .غير أن الجمهور على أن العدة إنما تجب بالوطء .وهذا هو المنسجم مع نصّ الآية وحكمة تشريع العدة .وهذا غير كون الخلوة الصحيحة موجبة للمهر الكامل ولو لم يكن وطء الذي هو أيضا محل خلاف بين الفقهاء ،والذي يمكن أن يكون وجيها على ما شرحناه في سياق الآيات [ 236237] من سورة البقرة .
وصيغة الآية تلهم أن الحثّ على الرفق بالمرأة وأداء حقها وحسن معاملتها في حالة طلاقها هو هدف رئيسي فيها .وهذا متسق مع النصوص القرآنية العديدة التي استهدفت ذلك أيضا .
ولقد استنبط بعض الأئمة مثل الإمامين الشافعي وابن حنبل من هذه الآية ومن حديث رواه جابر عن رسول الله جاء فيه"لا طلاق قبل النكاح "أنه لا يقع طلاق قبل عقد نكاح ،بحيث لو قال رجل: إن تزوجت فلانة فهي طالقة وتزوجها فلا يقع عليه طلاق .وذكر ابن كثير أن هذا مذهب طائفة كبيرة من السلف{[1692]} .ويظهر من هذا أن هناك رأيا فقهيا يخالف هذا .ونحن نرى القول وجيها أكثر من نقيضه .وهناك قضية أخرى من هذا الباب وهي حالة رجل يقول:"أيما امرأة تزوجتها فهي طالق "حيث ذكر ابن كثير أن الإمامين أبا حنيفة ومالك يقولان بوقوع الطلاق في حين أن الإمامين الحنبلي والشافعي يقولان بعدم وقوعه{[1693]} .ونحن نرى هذا أوجه من القول الأول أيضا فالطلاق قد شرع للفراق بعد الزواج في حالة تعذر الوفاق على ما شرحناه في سياق آيات الطلاق في سورة البقرة .وهذا إنما يتحقق بعد الزواج والله تعالى أعلم .