قوله:{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ} سخر الله الجن لسليمان فكان يأمرهم أن يصنعوا له ما يشاء من محاريب ،جمع محراب .والمراد بالمحاريب بنيان دون القصور .وقيل: المساجد .وقيل: المساكن العالية المشرفة .وأما التماثيل فهي الصور من النحاس والزجاج وغيرهما .
ولا ينبغي الاستدلال بهذه الآية على إباحة التصوير .ولئن كان ذلك مباحا في ذلك الزمان فقد نسخ بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم .وقد صح النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن التصوير وعن اتخاذ الصور ،وتوعد من عمل ذلك أو اتخذه بعقاب الله .فقد لعن صلى الله عليه وسلم .المصورين بقوله:"إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم "وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون "وذلك يدل على تحريم الصور واتخاذ الصور .
ويستثنى من ذلك لعب الصغار وما كان من الصور للامتهان .أو ما يصنع من الحلاوة والعجين مما لا بقاء له فقد رُخّص في ذلك .
وأما الجفان ،فهي جمع جفنة ،وهي كالقصعة{[3792]} أي ينحتون لسليمان ما يشاء من الأحواض كالجواب ،وهي جمع جابية .والجابية تعني الحوض الذي يُجبى فيه الماء للإبل{[3793]}
قوله:{وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} أي ينحتون له من الجبال قدورا ثابتات في أماكنها لا تتحرك لضخامتها .وقيل: مصنوعة من النحاس .
قوله:{اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا}{شُكْرًا} ،منصوب على أنه مفعول له{[3794]} والشكر معناه الاعتراف بالنعمة للمنعم واستعمالها ( النعمة ) في طاعة المنعم .وعكس ذلك الكفران وهو استعمال النعمة في معصية المنعم .والله جل جلاله أجدر أن يشكره العباد بقلوبهم وألسنتهم وأفعالهم فهو سبحانه المتفضّل المنّان ذو النعم الجليلة والجزيلة .وقد أمر الله نبيه داود وآله أن يشكروا الله على ما أنعم عليهم في الدين والدنيا من جزيل الأيادي والنعم .
قوله:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ذلك إخبار من الله بأن قليلا من عباده مخلصون له في الطاعة وفي توحيده وعبادته .وقليل منهم الشاكرون لأنعُمه وما امتنَّ به عليهم من جزيل الأيادي .قليل من الناس يُقرّون لله بكامل الألوهية والربوبية والحاكمية فيمتثلون لأوامره وزواجره ويذعنون له بتمام الخضوع والطاعة{[3795]}