وقوله:( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ):أما المحاريب فهي البناء الحسن ، وهو أشرف شيء في المسكن وصدره .
وقال مجاهد:المحاريب بنيان دون القصور . وقال الضحاك:هي المساجد . وقال قتادة:هي المساجد والقصور ، وقال ابن زيد:هي المساكن . وأما التماثيل فقال عطية العوفي ، والضحاك والسدي:التماثيل:الصور . قال مجاهد:وكانت من نحاس . وقال قتادة:من طين وزجاج .
وقوله:( وجفان كالجواب وقدور راسيات ) الجواب:جمع جابية ، وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال الأعشى ميمون بن قيس:
تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( كالجواب ) أي:كالجوبة من الأرض .
وقال العوفي ، عنه:كالحياض . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك وغيرهم .
والقدور الراسيات:أي الثابتات ، في أماكنها لا تتحول ولا تتحرك عن أماكنها لعظمها . كذا قال مجاهد ، والضحاك ، وغيرهما .
وقال عكرمة:أثافيها منها .
وقوله:( اعملوا آل داود شكرا ) أي:وقلنا لهم اعملوا شكرا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين .
وشكرا:مصدر من غير الفعل ، أو أنه مفعول له ، وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية ، كما قال:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة:يدي ، ولساني ، والضمير المحجبا
قال أبو عبد الرحمن الحبلي:الصلاة شكر ، والصيام شكر ، وكل خير تعمله لله شكر . وأفضل الشكر الحمد . رواه ابن جرير .
وروى هو وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي قال:الشكر تقوى الله والعمل الصالح .
وهذا يقال لمن هو متلبس بالفعل ، وقد كان آل داود ، عليه السلام ، كذلك قائمين بشكر الله قولا وعملا .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، حدثنا جعفر - يعني:ابن سليمان - عن ثابت البناني قال:كان داود ، عليه السلام ، قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة ، فكان لا تأتي عليهم ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي ، فغمرتهم هذه الآية:( اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ) .
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما . ولا يفر إذا لاقى ".
وقد روى أبو عبد الله بن ماجه من حديث سنيد بن داود ، حدثنا يوسف بن محمد بن المنكدر ، عن أبيه ، عن جابر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قالت أم سليمان بن داود لسليمان:يا بني ، لا تكثر النوم بالليل ، فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرا يوم القيامة ".
وروى ابن أبي حاتم عن داود ، عليه السلام ، هاهنا أثرا غريبا مطولا جدا ، وقال أيضا:
حدثنا أبي ، حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا أبو يزيد فيض بن إسحاق الرقي قال:قال فضيل في قوله تعالى:( اعملوا آل داود شكرا ) . فقال داود:يا رب ، كيف أشكرك ، والشكر نعمة منك ؟ قال:"الآن شكرتني حين علمت أن النعمة مني ".
وقوله:( وقليل من عبادي الشكور ) إخبار عن الواقع .