قوله: ( إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ) إن بمعنى ما وهي نافية .أي ما يعبد هؤلاء المشركون إلا أوثانا .وقد عبدوا الملائكة من ذلك وكانوا يعتبرونها بنات الله وكانوا يقولون: ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ثم اتخذوا لهن صورا مادية محسّة تمثلت في الأصنام كاللات والعزّى ومناة .
وهذه الآية تشهير الجهلة الحمقى وتسفيه لأحلامهم التي تنطوي على التحجّر والسخف إذ سوّلت لهم عبادة الأحجار الصمّ فضلّت بذلك أبعد الضلال عن طريق الهداية والنور .
وهم كذلك لا يعبدون ( إلا شيطانا مريدا ) الشيطان من الفعل شطن أو شيطن أو تشيطن ومعناه البعد عن الحق والخير .وعلى هذا فالشيطان هو الكائن الجني أو الإنسي البعيد عن الحق والخير .وقيل هو العاتي المتمرد الذي يتمثل في كيانه الشر والشقاوة .والمريد صيغة مبالغة على وزن فعيل وهو من التمرد ومعناه العتوّ ومجاوزة الحد .وقيل هو العصيان والتجرّّد من الخير ،{[834]} وهي معان متقاربة يجمعها معنى واحد مشترك وهو الاستنكاف عن الخير والجنوح نحو الشر مع خروج عن الطاعة في خبث .وجملة ذلك أن المشركين ضالّون في عبادتهم ،وهم كذلك تعساء في تقديرهم ومآلهم وهم إنما يعبدون أحجاما موهومة جوامد من الحجارة القاسية الصلدة .والأصل في هذا الضلال كله هو الشيطان فهو الذي أوحى إليهم بزخرف من الوسواس والقول فسوّل لهم أن يجنحوا عن صراط الله المستقيم ليعبدوا من دونه آلهة مفتراه .فالشيطان بذلك معبود هؤلاء الفسّاق المخدوعين ؛لأنهم أطاعوه من دون الله واستسلموا لتوهيمه بعد أن نفث فيهم غرورا .