ثم بين تعالى بعض أحوال المشركين فقال:{ إن يدعون من دونه إلا إناثا} أي إنهم لا يدعون من دون الله لقضاء حاجتهم وتفريج كروبهم ، إلا إناثا كاللات والعزى ومناة ، وكان لكل قبيلة صنم يسمونه أنثى بني فلان ، أو المراد أسماء معبودات وآلهة ليس لها من حقيقة معنى الألوهية شيء كما قال في سورة أخرى:{ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} [ الأعراف:71] أي أسماء مؤنثة في الغالب ، أو المراد معبودات ضعيفة أو عاجزة كالإناث لا تدافع عدوا ولا تدرك ثأرا .كما وصفها في موضع آخر بأنها لا تملك لهم ضرا ولا نفعا ، وكانت العرب تصف الضعيف بالأنوثة لما ذكرنا من ضعف المرأة بل ضعف إناث الحيوان عن الذكور حتى قالوا للحديد اللين أنيث ، ورجح الراغب وغيره أن وجه تسمية معبوداتهم إناثا هو كونها جمادات منفعلة لا فعل لها كالحيوان الذي هو فاعل منفعل كما وصفت في غير هذا الموضع بكونها لا تسمع ولا تبصر وليس لها أيد تبطش بها ولا أرجل تمشي بها .كأنه يذكرهم بهذا النوع من الأدلة على بطلان ألوهيتها بما ارتكبوه من العار والخزي بعبادة ما كان هذا وصفه .وقد استبعد الأستاذ الإمام تفسير الإناث بالأصنام المذكورة كما استبعد تفسيره بالملائكة لأنهم سموهم بنات الله ، وقال:إن كثيرا من المفسرين قالوا إن المراد بالإناث هنا الموتى لأن العرب تطلق عليهم لفظ الإناث لضعفهم أو يقال لعجزهمومع ذلك كانوا يعظمون بعض الموتى ويدعونها كما يفعل ذلك كثير من أهل الكتاب ومسلمي هذه القرون وهذا هو الذي اختاره الأستاذ .وقال:إن المراد بالدعاء ذلك التوجه المخصوص بطلب المعونة لهيبة غيبية لا يعقل الإنسان معناها .
{ وإن يدعون إلا شيطانا مريدا} أي وما يدعون إلا شيطانا مريدا ، قالوا الشيطان يطلق على العارم{[600]} الخبيث من الجن والإنس .والمريد والمارد المتعري من الخيرات من قولهم:شجر أمرد إذا تعرى من الورق ومنه رملة مرداء لم تنبت شيئا .أو هو من مرد على الشيء إذا مرن عليه حتى صار يأتيه بغير تكلف ومنه قوله تعالى:{ ومن أهل المدينة مردوا على النفاق} [ التوبة:101] أي شيطانا مرد على الإغواء والإضلال .أو تمرد واستكبر عن الطاعة