{ إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا}
/م116
"إن"هنا هي النافية ، والدعاء هنا العبادة ، والالتجاء لإنقاذه من الهلاك أو المرض أو الكوارث بشكل عام . والمعنى:لا يتجهون في عبادتهم وضراعتهم بعد الله سبحانه ذي الجلال والإكرام إلا إلى إناث قد استبدلوهن بعبادة الله . فهم قد تركوا عبادة القوي القادر القاهر الذي هو فوق كل شيء ، إلى عبادة العاجز الذي لا يستطيع حماية نفسه ورفع الضر عنه ! فالعبارة تفيد بمرماها أنهم تركوا عبادة من يحميهم ويكلؤهم إلى من لا يستطيع حماية نفسه .
ولكن لماذا عبر عن الأوثان التي كانوا يعبدونها بالإناث ؟
قد ذكر العلماء لذلك ثلاثة تعليلات مختلفة أولها أن العرب كانت عندهم أوثان تتسمى بأسماء إناث ، كاللات والعزى ومناة ، وعن الحسن البصري أنه لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يسمونه أنثى بنو فلان ، وثانيها أنهم كانوا يقولون عن أصنامهم بنات الله ، تعالى الله عما يقولون . وثالثها ما قرره الأصفهاني من أن المراد جماداتهم التي كانوا يعبدونها ، فقال:"لما كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة لا فاعلة ، سماها الله تعالى أنثى ، وبكتهم بها ونبههم على جهلهم واعتقاداتهم فيها ، مع أنها آلهة لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ، بل لا تفعل فعلا بوجه من الوجوه".
وخلاصة هذه التعليلات أن الله تعالى يبين ضلال الشرك لأن العابد فيه لا يعبد إلا ما هو كالإناث ، يحتاج إلى من يحميه ولا يحمي أحد ، ويترك عبادة الله تعالى القهار القادر على كل شيء ، الذي لا يوجد ذو قوة في هذا الوجود إلا كان يستمد قوته منه سبحانه .
وإن الذي يدفعهم إلى ذلك هو وسوسة الشيطان الذي كان سلطانه عليهم كسلطان المعبود الذي يعبد ، ولذلك يقول تعالى:
{ وإن يدعون إلا شيطانا مريدا}"المريد"على وزن فعيل من الفعل( مرد ) ، وهذا الفعل يطلق بعدة إطلاقات ، منها أن ( مرد ) معناها مرن على الشر ومن ذلك قوله تعالى{ ومن أهل المدينة مردوا على النفاق( 101 )}( التوبة ) ، ومنها أنه من يخرج على الطاعة ومن ذلك( مارد ، ومتمرد ) ويطلق على من ظهر شره ، وتجرد من الخير ، ومن هذا( شجرة مرداء ) إذا تساقط ورقها وظهرت عيدانها . وإن الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس ويدفعها إلى الشر فيه كل هذه الأوصاف ، فهو قد تعود الشر وهو قد عتا ، وهو قد خرج على الطاعة لله تعالى ، وهو قد تجرد من كل خير فيكون المعنى على هذا:إنهم يدعون أي يعبدون في الواقع شيطانا قد عتا ، وتجرد من الخير وتعود على الشر ، فلا يكون منه إلا شر ، وإذا كان هؤلاء يلجأون إليه في دعائهم ، وكأنهم يعبدونه ، إذ يعبدون الأوثان التي زينها لهم ، فهم في أبعد الضلال ويسلكون طرقا من الشر متعددة وقد ذكر سبحانه ما يفعله الشيطان بعقول هؤلاء فقال تعالى:{ لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا} .