ثم وصفه وصفا آخر فقال:{ لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا118} . واللعن عبارة عن الطرد والإبعاد مع السخط والإهانة والخزي ، أي أبعده الله عن مواقع فضله وتوفيقه وموجبات رحمته .أي إنهم ما يدعون إلا ذلك الشيطان المريد الملعون الذي هو داعية الباطل والشر في نفس الإنسان بما يوسوس في صدره ويعده ويمنيه كما بينه قوله تعالى:{ وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا} الخ النصيب الحصة والسهم من الشيء وهو ليس نصا في قلة ولا كثرة وقد يتبادر منه القلة ، والمفروض المعين وأصله من الفرض والحز في الخشبة كما بيناه في أوائل السورة ومنه الفرض في العطاء .يحتمل أن يكون هذا النصيب طائفة الذين يضلهم ويغويهم ويزين لهم الشرك والمعاصي ، وأن يكون حظه من نفس كل فرد من أفراد الناس وهو الاستعداد الفطري للباطل والشر المقابل للاستعداد الفطري للحق والخير وهو المختار .
قال الأستاذ الإمام:النصيب المفروض هو ما للشيطان في نفس كل أحد من الاستعداد للشر الذي هو أحد النجدين في قوله تعالى:{ وهديناه النجدين} [ البلد:10] فهذا هو عون الشيطان على الإنسان ، وهو عام في الناس حتى المعصومين ، ولكن أخبرنا الله تعالى أنه ليس له سلطان على عباده المخلصين ، فإذا هو زين لهم شيئا لا يغلبهم على عمله ، فما من إنسان إلا ويشعر من نفسه بوسوسة الشيطان فإن لم يكن بالشرك فبالمعصية والإصرار عليها أو الرياء في العبادة اه أقول وقد ورد في القرآن والحديث الصحيح ما يؤيد هذا وسنذكره إن شاء الله تعالى في موضع آخر من التفسير .
وهذا القول وأمثاله في القرآن المجيد في مخاطبة إبليس مع البارئ جل وعلا هو من الأقوال التكوينية أي التي يعبر بها عن تكوين العالم وما خلقه الله عليه كقوله تعالى:{ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} [ فصلت:11] فقوله تعالى هذا للسماء والأرض قول تكويني لا تكليفي فهو من قبيل قوله للشيء"كن فيكون "وقولهما:{ أتينا طائعين} تكويني أيضا فهو عبارة عن كونهما وجدتا كما أراد الله تعالى أن توجدا عليه كما يجيب العبد العاقل نداء مولاه .والمعنى أن الشيطان خلق هكذا فدعاؤه دعاء متمرد على الحق بعيد عن الخير مغري بإغواء البشر وإضلالهم كما عبر عن طبعه وسجيته بصيغة القسم .