اللعن: الطرد والإهانة .
النصيب المفروض: الحصة الواجبة .
المعنى أن الشيطان قال لله جل وعز: إن لي سهماً فيمن خلقتَهم لعبادتك ،وقلت عنهم فيما قلت:{وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}- [ الذاريات: 56] ،وأن هذا السهم فرض واجب لي يطيعني ويعصيك .والآن: إن ظاهر الآية يدل على أن الشيطان شخص حقيقي ،وأنه يخاطب الله بقوة وثقة ،فهل الكلام جارٍ على ظاهره ،أو لا بد من التأويل ؟.
نقل صاحب «تفسير المنار » عن أستاذه الشيخ محمد عبده أن في كل فرد من أفراد الإنسان استعداداً لعمل الخير والشر ،ولاتباع الحق والباطل ،وإلى هذا الاستعداد أشار سبحانه بقوله:{وَهَدَيْنَاهُ النجدين}- [ البلد: 10] ،وأن النصيب المفروض للشيطان من الإنسان هو استعداده للشر الذي هو أحد النجدين .وعليه يكون لفظ الشيطان كناية عن هذا الاستعداد .
الشيطان والعلم الحديث:
لقد سيطرت فكرة الشيطان على عقول الناس يوم كان العلم مجرد كلمات تقال ،وسطورٍ تملأ صفحات الكتب ،ولا تتجاوزها إلى العمل إلا قليلا ،أما اليوم فقد أصبحت فكرة الشيطان بشتى تفاسيرها أسطورة بعد أن صار العلم مقياساً لكل حقيقة ،وأساساً لكل خطوة يخطوها الإنسان ،وقوة في كل ميدان ،حتى إنه يطير إلى القمر والمريخ ،يخاطب أهل الأرض من هناك ؟.
على هذا التساؤل نقول:
لا نظن أحداً يهوّن من شأن العلم ،ولا كونه قوة وثروة ،فحاجة الناس إليه تماماً كحاجتهم إلى الماء والهواء ..ولكن لا أحد يجهل أن في العلم استعداداً للخير والشر ،فهو حين يوجَّه إلى الخير ينتج الطعام للجائعين ،والكساء للعراة ،والعلاج للمرضى ،وحين يوجه إلى الشر يقتل ويدمر ..والشر هو الركيزة الأولى لسياسة الشيطان الذي نعنيه .وقد أصبح العلم اليوم في يد السياسة تتجه به إلى الفتك والهدم ،والسيطرة والاستغلال .
ولقد تضاعف نصيب الشر أو الشيطان- مهما شئت فعبر- بتقدم العلم وتطوره .كان أعوان الشر والاستعمار فيما مضى يتسلحون بقوة العضلات ،أما الآن ،وبعد أن بلغ العلم من الجبروت ما بلغ فإنهم يتسلحون بالذرة والصواريخ وأسلحة الحرب الكيماوية .وهم لا ينسون إشعال حرب نفسية من الدسائس ،يخططونها لأتباعهم ،كلما اهتزت كراسيّهم بفعل رغبة الشعوب في التحرر وفعل الخير لأوطانهم .