قوله تعالى: ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا ) الجهر بالشيء يعني الإعلان به والإظهار له .جهر بالقول أي رفع صوته به .والتقدير: لا يحب الله أن يعلن أحد بالسوء من القول إلا جهر من ظلم .وذلك بأن يدعو على ظالمه أو يتظلم منه ويذكره .بما فيه من السوء .فإن من مكارم أخلاق المسلم ألا يجهر أمام الناس بالسوء من القول ،لكنه إن كان مظلوما فلا جناح عليه حينئذ أن يكشف عما حاق به من ظلم في مجاهرة مسموعة .على أن جمهرة كبيرة من المفسرين يذهبون إلى أن المراد بالسوء من القول هو الدعاء .إذ لا يحب الله للمؤمن أن يعجل فيدعو على غيره إلا أن يظلمه فإن ظلمه فله أن يجهر بالدعاء عليه .وفي المعنى أخرج أبو داود عن عائشة قالت: سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه فقال رسول الله ( ص ):"لا تسبخي عنه "والتسبيخ هو التخفيف والمراد بالحديث ألا تخفف من عقوبة السارق بدعائها عليه .
وقال الحسن البصري في معنى الآية: لا يدعو عليه وليقل اللهم أعنّي عليه وأستخرج حقي منه .وروي عنه أيضا جواز الدعاء من المظلوم على من ظلمه ،فالسوء من القول هو الدعاء على من يظلم الناس .
وذهب بعض العلماء إلى إدراج حق الضيافة في مدلول الآية باعتبار أن الضيف له حق الضيافة عند مضيفه ،فإن على المضيف أن يُقري ضيفه ،ويتحفه بالتكريم والعناية وإذا لم يؤد له هذا الحق بات الضيف مظلوما وله عند ذلك أن يجهر بالتشهير بمثل هذا الظلم ،وذلك من باب الجهر بالسوء من القول ،وقيل غير ذلك{[849]} .
وجملة القول أن يتسامى المؤمن عن القول السيئ في كل الظروف والأحوال إلا أن يكون مظلوما ،فإن كان كذلك فله أن يجهر بالكشف عن ظلمه وعما حاق به من ظلامة .يؤيد ذلك قوله في آية أخرى: ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) .
وقوله: ( وكان الله سميعا عليما ) ذلك تخويف لمن يحتمل للناس ظلما ولمن يتجاوز في الجهر بالسوء من القول إذا ما وقع عليه ظلم .أي أن ذلك تحذير للظالم كيلا يظلم ،وللمظلوم كيلا يتعدى الحد في الانتصار لنفسه .