قال [ علي] بن أبي طلحة عن ابن عباس:( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ) يقول:لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد ، إلا أن يكون مظلوما ، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه ، وذلك قوله:( إلا من ظلم ) وإن صبر فهو خير له .
وقال أبو داود:حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن عطاء ، عن عائشة قالت:سرق لها شيء ، فجعلت تدعو عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تسبخي عنه ".
وقال الحسن البصري:لا يدع عليه ، وليقل:اللهم أعني عليه ، واستخرج حقي منه . وفي رواية عنه قال:قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه من غير أن يعتدي عليه .
وقال عبد الكريم بن مالك الجزري في هذه الآية:هو الرجل يشتمك فتشتمه ، ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه ; لقوله:( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) [ الشورى:41] .
وقال أبو داود:حدثنا القعنبي ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ، ما لم يعتد المظلوم ".
وقال عبد الرزاق:أنبأنا المثنى بن الصباح ، عن مجاهد في قوله:( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) قال:ضاف رجل رجلا فلم يؤد إليه حق ضيافته ، فلما خرج أخبر الناس ، فقال:"ضفت فلانا فلم يؤد إلي حق ضيافتي ". فذلك الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ، حين لم يؤد الآخر إليه حق ضيافته .
وقال محمد بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) قال:قال هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته ، فيخرج فيقول:"أساء ضيافتي ، ولم يحسن ". وفي رواية هو الضيف المحول رحله ، فإنه يجهر لصاحبه بالسوء من القول .
وكذا روي عن غير واحد ، عن مجاهد ، نحو هذا . وقد روى الجماعة سوى النسائي والترمذي ، من طريق الليث بن سعد - والترمذي من حديث ابن لهيعة - كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله ، عن عقبة بن عامر قال:قلنا يا رسول الله ، إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا ، فما ترى في ذلك ؟ قال:"إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف ، فاقبلوا منهم ، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت أبا الجودي يحدث ، عن سعيد بن المهاجر ، عن المقدام أبي كريمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أيما مسلم ضاف قوما ، فأصبح الضيف محروما ، فإن حقا على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله ".
تفرد به أحمد من هذا الوجه وقال أحمد أيضا:حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا شعبة ، حدثني منصور ، عن الشعبي عن المقدام أبي كريمة ، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ليلة الضيف واجبة على كل مسلم ، فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا له عليه ، إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه ".
ثم رواه أيضا عن غندر عن شعبة . وعن زياد بن عبد الله البكائي . عن وكيع ، وأبي نعيم ، عن سفيان الثوري - ثلاثتهم عن منصور ، به . وكذا رواه أبو داود من حديث أبي عوانة ، عن منصور ، به .
ومن هذه الأحاديث وأمثالها ذهب أحمد وغيره إلى وجوب الضيافة ، ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار .
حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا محمد بن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ; أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:إن لي جارا يؤذيني ، فقال له:"أخرج متاعك فضعه على الطريق ". فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريق ، فجعل كل من مر به قال:مالك ؟ قال:جاري يؤذيني . فيقول:اللهم العنه ، اللهم أخزه ! قال:فقال الرجل:ارجع إلى منزلك ، وقال لا أوذيك أبدا ".
وقد رواه أبو داود في كتاب الأدب ، عن أبي توبة الربيع بن نافع ، عن سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر ، عن محمد بن عجلان به .
ثم قال البزار:لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ، ورواه أبو جحيفة وهب بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ويوسف بن عبد الله بن سلام ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .