قوله تعالى: ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) .
جاء في سبب نزول هذه الآية عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي ( ص ) فقال: يا رسول الله!إنك لأحب إليّ من نفسي ،وأحب إليّ من أهلي ،وأحب إليّ من ولدي ،وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك ،وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ،وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك .فلم يرد عليه النبي ( ص ) حتى نزلت هذه الآية .
وقيل: نزلت في ثوبان مولى رسول الله ( ص ) وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغيّر لونه ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن فقال له:"يا ثوبان ما غيّر لونك ؟"فقال: يا رسول الله ما بي ضرّ ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ،ثم ذكرت الآخرة وأخاف ألا أراك هناك ،لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك ،وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبدا فأنزل الله هذه الآية{[785]} .وهي مطمئنة للمؤمنين الذين يمضون في طاعة الله ورسوله الكريم ،فأولئك قد منّ الله عليهم إذ جعلهم في الجنة مع النبيين والصدّيقين والشهداء لا في الدرجة أو المنزلة ولكنهم معهم في دار واحدة ،وهي دار النعيم والخلود ،يستمتعون برؤيتهم وزيارتهم ،فأهل الجنة يتزاورون فيما بينهم بالرغم من تفاوت درجاتهم في الجنة .فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال:"إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغابر في الأفق الطالع في تفاضل الدرجات ".
والنبيّون مفردها نبي من النبوة وأصلها النبوءة ثم حذفت الهمزة للتخفيف وهي تعني الإخبار عن طريق الوحي ،ولا يلزم أن يكون النبي رسولا بل يلزم أن يكون الرسول نبيا .فكل رسول نبي قد نيطت به وجيبة التبليغ ،أما النبي غير المكلف بالتبليغ فما أوتي رسالة يبلغها الناس ولكنه متعبد متحنث .
أما الصدّيقون ،فمفردها صدّيق على وزن فعّيل وهو يفيد المبالغة في الصدق والتصديق فضلا عن مزية التحقيق بالفعل لما يقال باللسان .
وأما الشهداء فمردها شهيد وهو من الشهادة بمعنى الحضور .وثمة أقوال في سبب التسمية بالشهيد .فقد قيل إن الملائكة تشهد مقتله ؛إذ يصاب في المعركة أو غيرها .وقيل إن هذا القتيل لا يموت بل يظل حيا حاضرا على نحو لا نعلمه نحن .وفي قول آخر بأنه سمي بذلك لوقوعه على الشاهدة وهي الأرض وذلك حال إصابته ثم سقوطه عليها .
قوله: ( وحسن أولئك رفيقا ) الرفيق من الرفق وهو اللين .واسم الإشارة ( أولئك ) يعود على النبيين والصدّيقين والشهداء .وقد حسن كل واحد من هؤلاء المذكورين رفيقا فنعمت الصحبة والرفقة مع هؤلاء الأطهار الأبرار .أنها الصحبة المثالية الفضلى يترافق من خلالها المؤمنون المحظوظون مع هذه الفئة المكرمة الممتازة .الفئة التي بلغت من علو الدرجة وعطاء الرحمن ما لم تبلغه بقية البشر .لا جرم أن هؤلاء هم خير البرية ويسعد برفقتهم من كتبت له السعادة في الجنة مع هؤلاء الميامين .
وقوله ( رفيقا ) منصوب على التمييز .وقيل: منصوب على الحال .