ثم قال تعالى:( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) أي:من عمل بما أمره الله ورسوله ، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله ، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ، ويجعله مرافقا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة ، وهم الصديقون ، ثم الشهداء ، ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم .
ثم أثنى عليهم تعالى فقال:( وحسن أولئك رفيقا )
وقال البخاري:حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة قالت:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة "وكان في شكواه التي قبض فيه ، فأخذته بحة شديدة فسمعته يقول:( مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) فعلمت أنه خير .
وكذا رواه مسلم من حديث شعبة ، عن سعد بن إبراهيم به .
وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:"اللهم في الرفيق الأعلى "ثلاثا ثم قضى ، عليه أفضل الصلاة والتسليم .
ذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة:
قال ابن جرير:حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير قال:جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا فلان ، ما لي أراك محزونا ؟ "قال:يا نبي الله شيء فكرت فيه ؟ قال:"ما هو ؟ "قال:نحن نغدو عليك ونروح ، ننظر إلى وجهك ونجالسك ، وغدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك . فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه شيئا ، فأتاه جبريل بهذه الآية:( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين [ والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا] ) فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره .
قد روي هذا الأثر مرسلا عن مسروق ، وعكرمة ، وعامر الشعبي ، وقتادة ، وعن الربيع بن أنس ، وهو من أحسنها سندا .
قال ابن جرير:حدثنا المثنى ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله:( ومن يطع الله والرسول [ فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من] ) الآية ، قال:إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا:قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه ، وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا ؟ فأنزل الله في ذلك - يعني هذه الآية - فقال:يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم ، فيجتمعون في رياضها ، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه ، وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به ، فهم في روضة يحبرون ويتنعمون فيه ".
وقد روي مرفوعا من وجه آخر ، فقال أبو بكر بن مردويه:حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم ، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد ، حدثنا عبد الله بن عمران ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله:إنك لأحب إلي من نفسي وأحب إلي من أهلي ، وأحب إلي من ولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وإن دخلت الجنة خشيت ألا أراك . فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه:( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )
وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه:"صفة الجنة "، من طريق الطبراني ، عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال ، عن عبد الله بن عمران العابدي ، به . ثم قال:لا أرى بإسناده بأسا والله أعلم .
وقال ابن مردويه أيضا:حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ، حدثنا أبو بكر بن ثابت بن عباس المصري حدثنا خالد بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن عامر الشعبي ، عن ابن عباس ، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله ، إني لأحبك حتى إني لأذكرك في المنزل فيشق ذلك علي وأحب أن أكون معك في الدرجة . فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فأنزل الله عز وجل [ ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )] .
وقد رواه ابن جرير ، عن ابن حميد ، عن جرير ، عن عطاء ، عن الشعبي ، مرسلا . وثبت في صحيح مسلم من حديث هقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال:كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته ، فقال لي:"سل ". فقلت:يا رسول الله ، أسألك مرافقتك في الجنة . فقال:"أو غير ذلك ؟ "قلت:هو ذاك . قال:"فأعني على نفسك بكثرة السجود ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن عيسى بن طلحة ، عن عمرو بن مرة الجهني قال:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعق والديه "تفرد به أحمد .
قال الإمام أحمد أيضا:حدثنا أبو سعيد مولى أبي هاشم ، حدثنا ابن لهيعة ، عن زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، إن شاء الله ".
وروى الترمذي من طريق سفيان الثوري ، عن أبي حمزة ، عن الحسن البصري ، عن أبي سعيد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء ".
ثم قال:هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وأبو حمزة اسمه عبد الله بن جابر شيخ بصري .
وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحاح والمسانيد وغيرهما ، من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم ؟ فقال:"المرء مع من أحب "قال أنس:فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث .
وفي رواية عن أنس أنه قال:إني أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحب أبا بكر وعمر ، رضي الله عنهما وأرجو أن يبعثني الله معهم وإن لم أعمل كعملهم .
وقال الإمام مالك بن أنس ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ". قالوا:يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال:"بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ".
أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ولفظه لمسلم .
وقال الإمام أحمد بن حنبل:حدثنا فزارة ، أخبرني فليح ، عن هلال - يعني ابن علي - عن عطاء ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون - أو ترون - الكوكب الدري الغارب في الأفق والطالع في تفاضل الدرجات ". قالوا:يا رسول الله ، أولئك النبيون ؟ قال:"بلى ، والذي نفسي بيده ، وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ".
قال الحافظ الضياء المقدسي:هذا الحديث على شرط البخاري والله أعلم .
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير:حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا محمد بن عمار الموصلي ، حدثنا عفيف بن سالم ، عن أيوب بن عتبة عن عطاء ، عن ابن عمر قال:أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سل واستفهم ". فقال:يا رسول الله ، فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة ، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به ، وعملت مثل ما عملت به ، إني لكائن معك في الجنة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نعم ، والذي نفسي بيده إنه ليضيء بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام "قال:ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قال:لا إله إلا الله ، كان له بها عهد عند الله ، ومن قال:سبحان الله وبحمده ، كتب له بها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة "فقال رجل:كيف نهلك بعدها يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله ، فتقوم النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يتطاول الله برحمته "ونزلت هذه الآيات ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) إلى قوله:( نعيما وملكا كبيرا ) [ الإنسان:1 - 20] فقال الحبشي:وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"نعم ". فاستبكى حتى فاضت نفسه ، قال ابن عمر:لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيديه .
فيه غرابة ونكارة ، وسنده ضعيف .