قوله تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ( 51 )} .
ذلك إخبار من الله ووعد صِدْق ،ووعدُهُ حق ولن يخلف الله وعده ؛فإنه جل وعلا ينصر عباده المرسلين الذين أرسلهم للناس هداةً منذرين ،وينصر الذين آمنوا معهم من عباده الطيبين المتقين .ينصرهم الله جميعا في الدنيا ؛إذ يجعل لهم الغلبة والاستعلاء والهيمنة .أو يكتب الله لدينه الظهور والشيوع والانتشار .وذلك نصر من الله ،إذ يوفق الله عباده للإقبال على دينه الحق .الدين المبرأ من الشرك والزيف والضلال .وهو الذي بني على التوحيد وإفراد الله وحده بالإلهية والربوبية والحاكمية والإذعان لجلاله بالخضوع والاستسلام ،وذلكم هو الإسلام الذي اجتمعت على أركانه وقواعده الثوابت كلمة النبيين والمرسلين جميعا .أولئك الذين اجتمعوا على التوحيد وعبادة الله وحده دون غيره من الأرباب والأوثان والأنداد على اختلاف صورها ومسمياتها .
فإذا كتب الله لدينه الظهور والشيوع والانتشار فلا جرم أن يكون ذلك نصرا عظيما من الله كتبه لرسله والذين آمنوا معهم ،وذلك في الحياة الدنيا ،سواء كان هذا النصر في حياتهم أو عقب مماتهم وغيابهم عن هذه الدنيا .وبذلك لا ينبغي أن يقال: إن بعض النبيين عليهم الصلاة والسلام قتله قومه كيحيى وزكريا وشعيبا .
ومنهم من خرج من بين أظهرهم: إما مهاجرا كإبراهيم ،وإما إلى السماء كعيسى ابن مريم ،فأين النصرة في الدنيا ؟فالمراد بالنصر هو الانتصار لهم ممن أذاهم سواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم فإن الله منتقم لعباده المؤمنين ممن آذاهم وظلمهم فيأخذهم بالنوازل والنقم جزاء اعتدائهم على أنبياء الله والمؤمنين .وإذا أخذ الله قوما بسبب ظلمهم وطغيانهم وعدوانهم على المسلمين فلا جرم أن يكو أخْذُه أليما شديدا ،وأن ينتقم من الطغاة والمستبدين والمجرمين أفظع انتقام ،فضلا عما يكتبه الله لدينه الحق ،دين التوحيد – من الشيوع والظهور والانتشار .
قوله:{وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}{الأشهاد} يجوز أن يكون جمع شهيد .وأن يكون جمع شاهد{[4025]} والمراد بهم الأنبياء والحفظة ؛فالأنبياء يشهدون عند رب العزة على الكفرة بالتكذيب ؛وأما الحفظة فيشهدون على بني آدم بما عملوا من الأعمال في الدنيا .وحينئذ تكون النصرة من الله لرسله والمؤمنين أجلَّ وأعظم .