كلام مستأنف وهو استخلاص للعبرة من القصص الماضية مسوق لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ووعده بحسن العاقبة ،وتسلية المؤمنين ووعدهم بالنصر وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة .وذلك أن الكلام من ابتداء السورة كان بذكر مجادلة المشركين في القرآن بقوله تعالى:{ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا}[ غافر: 4] وأومأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن شِيَعهم آيلة إلى خسار بقوله:{ فلا يغررك تقلبهم في البلاد}[ غافر: 4] ،وامتد الكلام في الرد على المجادلين وتمثيل حالهم بحال أمثالهم من الأمم التي آل أمرها إلى خيبة واضمحلال في الدنيا وإلى عذاب دائم في الآخرة ولما استوفى الغرضُ مقتضاه من اطناب البيان بَيّن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم عَقِبَه أنه ينصر رسله وَالذين آمنوا في الدنيا كما دل عليه قوله في آخر الكلام{ فاصبر إن وعد الله حق}[ غافر: 77] .
وقد عُلم من فعل النصر أن هنالك فريقاً منصوراً عليهم الرسلُ والمؤمنون في الدنيا والآخرة ،ومن المتعين أنهم الفريقُ المعاند للرسل وللمُؤمنين ،فنصر الرسل والمؤمنين عليهم في الدنيا بإظهارهم عليهم وإبادتهم ،وفي الآخرة بنعيم الجنة لهم وعذاب النار لأعدائهم .
والتعبير بالمضارع في قوله:{ لننصر} لما فيه من استحضار حالات النصر العجيبة التي وُصفَ بعضها في هذه السورة ووصف بعضٌ آخر في سُور أخرى تقدم نزولها ،وإلا فإن نصر الرسل الذين سبقوا محمداً صلى الله عليه وسلم قد مضى ونصْرُ محمد صلى الله عليه وسلم مترقّب غير حاصل حين نزول الآية .وتأكيد الخبر ب ( إنَّ ) وبجَعْل المسند فعلياً في قوله:{ لننصر} مراعًى فيه حال المعرَّض بهم بأن الله ينصر رسله عليهم وهم المشركون لأنهم كانوا يكذبون بذلك .
وهذا وعْد للمؤمنين بأن الله ناصرهم على من ظلمهم في الحياة الدنيا بأن يوقع الظالم في سوء عاقبة أو بأن يسلط عليه من ينتقم منه بنحوٍ أو أشدَّ مما ظلَم به مؤمناً .
والأشهاد: جمع شَاهد .والقيام: الوقوف في الموقف .والأشهاد: الرسل ،والملائكة الحفَظةُ والمؤمنون من هذه الأمة ،كما أشار إليه قوله:{ لتكونوا شهداء على الناس}[ البقرة: 143] ،وذلك اليوم هو يوم الحشر ،وشهادة الرسل على الذين كفروا بهم من جملة نصرهم عليهم وكذلك شهادة المؤمنين .