قوله:{قالوا يموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء والتهكم والاستهانة بالله ورسوله وقلة المبالاة أو الاهتمام بهما وبأمرهم وعدم الثقة بالنصر الذي وعدهم الله به شريطة أن يدخلوا ،فكانوا لقسوة قلوبهم الغلف وخواء نفسهم المهزومة يستشعرون الإياس المطبق ،فضلا عن مبلغ الرعب الذي ملك عليهم العقل والقلب والمشاعر جميعا ،فأبوا إلا النكوص والامتناع عن دخول الأرض المقدسة أبدا .أي دهرا طويلا ما دام العمالقة فيها .ثم قالوا قولتهم المثيرة التي تكشف عن طبائع قد خالطها الخور والحبوط فباتت تستمرئ العناد والمكابرة والإحساس بالذل وهوان النفس{فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} ذلك نكول صارخ عن الامثتال لأمر الله بمجاهدة الجبارين الطغاة .بل إنه كفر صراح لما ينطوي عليه قولهم من شبهة التجسيم إذ يجوزون الذهاب على الله وانتقاه من مكان إلى مكان وذلكم كفر .وقيل: قالوا ذلك على وجه التمرد والاستخفاف بالأمر وهو فسق .
وهنا قد حصحص الحق ليتجلى واضحا بلجا للعالمين .وليعي من يود أن يعي من الناس أو من أولي الألباب والنظر السوي السديد .والحق المقصود هنا هو حرمان بني إسرائيل من الأرض المقدسة ،فصاروا لا يستحقونها ،لأنهم فرطوا فيما اشترطه الله عليهم ليكتب لهم في المقابل الأرض المقدسة .وقد اشترط عليهم الدخول على العمالقة لقتالهم ومجاهدتهم ،فإن دخلوا عليهم فلسوف يكون النصر حليفهم وهو وعد الله لهم .لكنهم انتكسوا ولوا رؤوسهم وولوا مدبرين فلم يمتثلوا للشرط الذي جعله لهم .قال ابن عباس في هذا الصدد عن الأرض المقدسة وبني إسرائيل: كانت هبة ثم حرمها عليهم بشؤم تمردهم وعصيانهم .وجملة القول أن الوعد بقوله{التي كتب الله لكم} مشروط بقيد الطاعة فلما لم يوجد الشرط لا جرم لم يوجد المشروط .وهو قول الإمام الرازي{[934]} .