{ قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون( 24 ) قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين( 25 ) قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين( 26 )} .
الكلام موصول في شأن بني إسرائيل عندما طلب إليهم موسى عليه السلام أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله عليهم أن يدخلوها فقد أجابوا راهبين خائفين بأن فيهم قوما أشداء عمالقة ، وأنهم لن يدخلوها ما دام هؤلاء وهم يتكلون على الله تعالى في إخراجهم ، كأن الله تعالى يخرجهم من غير عمل يعملونه وذلك لأن خنوعهم لحكم فرعون أمات فيهم روح الهمة والنخوة والمغالبة ولأنهم أحرص الناس على الحياة ، أي حياة كانت كما قال تعالى:{ ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ... ( 96 )} ( البقرة )
{ قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها} بعد تلك العبارات القوية المثيرة للهمم والعزائم التي نادى بها من الصفوف رجال منهم أو من أعدائهم ، أنعم الله عليهم أجابوا بإجابتهم الأولى وهي أنهم لن يدخلوا فيها حتى يخرجوا منها ولكنهم زادوا على الإجابة الأولى تأكيدا وتهجما على مقام الله سبحانه وتعالى . أما التأكيد فهو إضافة كلمة "أبدا"وإذا كانت كلمة "لن"فيها معنى تأكيد النفي فكلمة "أبدا"فيها معنى تأبيد النفي ما داموا على قيد الحياة .
{. . .فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون( 24 )} وهذه الكلمة فيها استهانة بأمر الطاعة واستخفاف بمقام الألوهية والرسالة ، وخروج عن معاني الإيمان السليم لأن الله تعالى لا يعمل أعمال البشر ويقاتل ولكن ينصر ويخلق والقتال من أعمال العباد كما يقول رجل لآخر:يأمرك الأمير بالذهاب بالجند والقتال ، فيجيبه:قاتل أنت والأمير ففي ذلك استهزاء بالأمير وخروج عليه وفي كل ذلك استخذاء من قوم جبناء ولذلك ختموا كلامهم بالقعود عن القتال والثبات في أماكنهم:{ إنا ها هنا قاعدون} ، وإن هذا الوصف الذي وصفوا به أنفسهم يدل على الخسة ، لأن القعود غير البروز ، والقاعد مخذل ، والمجاهد عامل والقعود في وقت وجوب النشاط هذا للعمل الصالح هو وصف ذم ، كما قال وصفا لأمثالهم:{. . .وقيل اقعدوا مع القاعدين( 46 )}( التوبة ) . وقال تعالى:{ لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة . . .( 95 )}( النساء ) .
ويقول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي{[2]}
فهم قد وصفوا أنفسهم بأقبح ما توصف الجماعات الطامحة: