/م20
{ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} أي لم تنفع بني إسرائيل موعظة الرجلين بل أصروا على التمرد والعصيان ، وأكدوا لموسى بالقول بأنهم لا يدخلون تلك الأرض التي فيها الجبارون أبدا أي مدة الزمن المستقبل ما داموا فيها ، لأن دخولها يستلزم القتال والحرب ، وليسوا لذلك بأهل ، وقالوا لموسى ما معناه:إن كنت أخرجتنا من أرض مصر بأمر ربك لنسكن هذه الأرض التي وعد بها آباءنا وقد علمت أن هذا يتوقف على القتال وإننا لا نقاتل – فاذهب أنت وربك الذي أمرك بذلك فقاتلا الجبارين واستأصلا شأفتهم أو اهزماهم وأخرجاهم منها ، إنا هاهنا قاعدون منتظرون ومتوقعون أو قاعدون عن القتال أو غير مقاتلين ، فقد استعمل هذا اللفظ في هذا المعنى كقوله تعالى:{ وقيل اقعدوا مع القاعدين} [ التوبة:46] وقوله:{ لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون} [ النساء:95] الآية .
وقد حاول بعض المفسرين حمل هذا القول السمج الخارج من حدود الآداب ، على معنى مجازي يليق بأهل الإيمان ، ككون المراد بذهاب الرب إعانته ونصره ، وقال بعضهم لا حاجة إلى مثل هذا مع أمثال هؤلاء القوم الذي عبدوا العجل ، وكان من فساد فطرتهم وجفاء طباعهم ما بينه الله تعالى في كتابه ، والتوراة التي في أيديهم تؤيد ذلك أشد التأييد ، تارة بالإجمال وتارة بأوسع التفصيل .والقرآن يبين صفوة الوقائع ومحل العبرة فيها ، لا ترجمة جميع الأقوال بحروفها ، وشرح الأعمال ببيان جزئياتها ، فما يقصه من أمور بني إسرائيل هو الواقع وروح ما صح من كتبهم أو تصحيح ما حرف منها ، وهذه العبارة منه تدل على منتهى التمرد والمبالغة في العصيان والإصرار عليه ، والجفاء والبعد عن الأدب ، فلا وجه لتأويلها بما ينافي ذلك .
/خ26