إنّما خاطبوا موسى عقبَ موعظة الرجلين لهم ،رجوعاً إلى إبايتِهم الأولى الّتي شافهوا بها موسى إذ قالوا:{ إنّ فيها قوماً جبّارين} ،أو لقلّة اكتراثهم بكلام الرجلين وأكّدوا الامتناع الثّاني من الدخول بعد المحاورة أشدّ توكيد دلّ على شدّته في العربيّة بثلاث مؤكدات: ( إنّ ) ،و ( لن ) ،وكلمة ( أبداً ) .
ومعنى قولهم:{ فاذهب أنت وربّك فقاتلا} إن كان خطاباً لموسى أنّهم طلبوا منه معجزة كما تعوّدوا من النصر فطلبوا أن يهلك الله الجبّارين بدعوة موسى .وقيل: أرادوا بهذا الكلام الاستخفاف بموسى ،وهذا بعيد ،لأنّهم ما كانوا يشكّون في رسالته ،ولو أرادوا الاستخفاف لكفروا وليس في كلام موسى الواقع جواباً عن مقالتهم هذه إلاّ وصفهم بالفاسقين .والفسق يطلق على المعصية الكبيرة ،فإنّ عصيان أمر الله في الجهاد كبيرة ،ولذلك قال تعالى فلا تأس على القوم الفاسقين ،وعن عبد الله بن مسعود قال: أتى المقدادُ بن الأسود النبيءَ وهو يدعو على المشركين يوم بدر فقال: « يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل »{ فاذْهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون} الحديث .
فَلا تَظُنَّنّ من ذلك أنّ هذه الآية كانت مقروءة بينهم يوم بدر ،لأنّ سورة المائدة من آخر ما نزل ،وإنّما تكلّم المقداد بخبر كانوا يسمعونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يُحدّثهم به عن بني إسرائيل ،ثم نزلت في هذه الآية بذلك اللّفظ .