/م24
ولقد أحس موسى القوي الأمين بالعبء الذي ألقى على هذه الجماعة وتخاذلها عن حمله فتقدم إلى ربه بالمعذرة يرجو بها المغفرة ، فقال ما حكاه الله تعالى عنه:{ قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي} .
ابتدأ موسى عليه السلام قوله بالاتجاه إلى ربه الذي خلقه ورباه وكون جسمه ونفسه ، وذلك بالضراعة إليه وبيان أنه أعلم بحاله وأنه في طاعته لا يخرج عنها ، ثم قرر المعذرة وهو أنه لا يملك من أمرهم شيئا وإنما الأمر كله إلى الله تعالى وأنه لا يستطيع أن يجعل من ضعف نفوسهم قوة ، ولا من استخذائهم عزة ، ولا من تقاعدهم همة ، ولا يملك إلا نفسه وأخاه فهو لا يضمن إلا إياهما وهما وحدهما لا يملكان الدخول إلى هذه الأرض ، والمراد بأخيه سيدنا هارون عليه السلام وقد أكدت المعذرة ب "إن"وبالقصر ، وعبر عن هارون بأخيه للإشارة إلى قوة إحساسه بأنه معه في طاعة ربه وعدم عصيانه فيما أمر{[896]} .
وإذا كانت تلك حاله ، فهي مفترقة عن حال الذين معه ، ولذلك الافتراق عنهم ما حكاه الله تعالى:{ فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} .
الفرق معناه الفصل بين شيئين أو شخصين فصلا حسيا أو معنويا كما قال تعالى:{. . .لا نفرق بين أحد من رسله . . .( 285 )}( البقرة ) .
والمراد هنا والله أعلم اجعل بيننا وبينهم فارقا في الحكم وهو العدل بيننا وبين هؤلاء الفاسقين لأننا لا نرضى بما يفعلون ، ولسنا معهم في الإحساس وهذا التخاذل فلسنا منهم في هذا وليسوا منا في شيء وافصل بيننا وبينهم في الآخرة ، كما فصلت في الحكم بيننا وبينهم في الدنيا والمؤدى من قول سيدنا موسى هذا هو أنه يبرئ نفسه منهم ، ومن عملهم وخذلانهم والفاسق هو الخارج المنفصل بالحس أو المعنى ، والمعنى:افرق بيننا وبين هؤلاء الذين خرجوا عن الطاعة وعن مناط العزة ورضوا بالذلة والهوان .