قوله:{إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعملوا أن الله غفور رحيم} اختلف العلماء في تأويل هذه الآية .فقد قال بعضهم: معنى ذلك: إلا الذين تابوا من شركهم ومناصبتهم الحرب لله ولرسوله والسعي في الأرض بالفساد بالإسلام والدخول في الإيمان من قبل قدرة المؤمنين عليهم فإنه لا سبيل للمؤمنين عليهم بشيء من العقوبات التي جعلها الله جزاء لمن حاربه ورسوله وسعى في الأرض فسادا من قتل أو صلب أو قطع يد ورجل من خلاف أو نفي من الأرض فلا تبعة عليه لأحد فيما كان أصاب في حال كفره وحربه المؤمنين في مال ولا دم ولا حرمة .
وهذا القول ضعيف ،لأن المشركين إن آمنوا بعد القدرة عليهم لم يقتلوا بالإجماع .
لأنه في حق المشركين يجب الإسلام ما كان قبله من شرك وآثام .وهذا معلوم والصحيح أن الآية في قطاع الطرق وهم فئة ضالة مارقة من المسلمين الخارجين على الإمام ،والذين مالت نفوسهم الأثيمة للتخريب والإفساد وترويع المسلمين ظلما وعدوانا .فقد استثنى الله جل جلاله في هذه الآية التائبين من قاطعي السبيل قبل القدرة عليهم من إيقاع الحد عليهم .ولا استثناء في القصاص وحقوق الآدميين فإن ذلك لا يسقط بالتوبة إلا أن يعفو الأولياء .أما التوبة بعد القدرة عليهم فلا تغني لظاهر الآية .
وقال الشافعي في المسألة: ويحتمل أن يسقط كل حد لله بالتوبة ،لأن ماعزا لما رجم تاب ،فلما أتموا رجمه ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه "وهو يدل على أن التوبة تسقط عن المكلف كل ما يتعلق بحق الله تعالى .انتهى .
وفي ذلك نظر .فإن قوله:"هلا تركتموه يتوب "لا يفيد رفع الحد بالتوبة بل إن رفع الحد عن الماعز إنما كان لانخرام شرط من شروط إقامة الحد على الزاني وهو الثبات على الإقرار .فلما لم يثبت ماعز على إقراره ،وبخهم النبي صلى الله عليه وسلم توبيخا لاستمرارهم في رجمه حتى مات بعد رجوعه عن الإقرار .
فالصواب أن المحاربين لا مناص من تنفيذ الحد فيهم بما يستحقونه إن قدر الإمام عليهم قبل التوبة .أما إن ظهرت منهم التوبة قبل أن يقدر عليهم الإمام فلا يقام عليهم حد من حدود الله إلا ما كان من حقوق الآدميين من قصاص أو مال فهم أحق باستيفاء حقوقهم إلا أن يعفوا{[945]} .