/م33
ويستدل من هذه الجملة القرآنية على أن العقوبات الإِسلامية الدنيوية التي تنفذ في المجرمين لن تكون حائلا دون نيلهم لعقاب الآخرة ،ولكن طريق العودة والتوبة لا يغلق حتى بوجه مجرمين خطيرين كالذين ذكرتهم الآية إِن هم عادوا إلى رشدهم وبادروا إلى إِصلاح أنفسهم ،ولكي يبقى مجال التعويض عن الأخطاء مفتوحاً تقول الآية الثانية: ( إِلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنّ الله غفور رحيم ) .
والذي يظهر من هذه الآية هو أنّ العقاب والحدّ الشرعي يرفعان عن أولئك المجرمين في حالة انصرافهم طوعاً عن ارتكاب الجريمة وندمهم قبل أن يلقى القبض عليهم فقط .
وبديهي أنّ توبة هؤلاء لا تسقط العقاب عنهم إِن كانوا قد ارتكبوا جريمة قتل أو سرقة ،إِلاّ في حالة ارتكاب جريمة التهديد بالسلاح فإن العقوبة تسقط إن هم تابوا وندموا قبل إِلقاء القبض عليهم .
وبعبارة أُخرى فإِنّ التوبة في مثل هذه الجرائم لها تأثير في ما يخص الله فقط ،أمّا حق الناس فلا يسقط بالتوبة ما لم يرض صاحب الحق .
وهكذا فإِنّ عقاب المحارب يكون أشدّ وأقسى من عقاب السارق أو القاتل العادي ،فهو إِن تاب نجا من العقوبة التي تشمله لكونه محارباً ،لكنه لا يتخلص من عقوبة السرقة والقتل العاديين .
وقد يطرأ هنا سؤال وهو كيف يمكن إِثبات التوبة مادامت هي عملية قلبية باطنية ؟
والجواب هو: أن طرق إِثبات التوبة في هذا المجال كثيرة وافرة ،وأحدها: أن يشهد عادلان على أنّهما سمعا توبة المجرم في مكان ما ،وأنّه تاب دون أن يرغمه أحد على التوبة ،والآخر: أنّ يغير المجرم أسلوب حياته بشكل تظهر عليه آثار التوبة بجلاء .