/م33
جزاء مرتكب العدوان:
تكمل الآية الأولىمن الآيتين الأخيرتينالبحث الذي تناولته الآيات السابقة حول قتل النفس ،وتبيّن جزاء وعقاب من يشهر السلاح بوجه المسلمين ،وينهب أموالهم عن طريق التهديد بالقتل أو بارتكاب القتل ،فتقول: ( إِنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ) .
ومعنى قطع الأيدي والأرجل من خلاف هو أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى .
ويجدر الانتباه هنا إلى عدّة أُمور ،وهي:
1إِنّ المراد جملة ( الذين يحاربون الله ورسوله ) الواردة في الآيةكما تشير إِليه أحاديث أهل البيت ويدل عليه سبب نزول الآيةهو ارتكاب العدوان ضد أرواح أو أموال الناس باستخدام السلاح والتهديد به ،سواء كان هذا العدوان من قبل قطاع الطرق خارج المدن أو داخلها ،وعلى هذا الأساس فإِن الآية تشمل أيضاً الأشرار الذين يعتدون على أرواح الناس وأموالهم ونواميسهم .
والذي يلفت الانتباه في هذه الآية هو أنّها اعتبرت العدوان الممارس ضد البشر بمثابة إِعلان الحرب وممارسة العدوان ضد الله ورسوله ،وهذه النقطة تبيّن بل تثبت مدى اهتمام الإِسلام العظيم بحقوق البشر ورعاية أمنهم وسلامتهم .
2المراد بقطع اليد أو الرجلالمذكور في الآية ،وكما أشارت إِليه كتب الفقههو القطع بنفس المقدار الذي ينفذ بحق السارق لدى قطع يده ،أي مجرّد قطع أربعة من أصابع اليد أو الرجل{[1029]} .
3هل أنّ العقوبات الأربع المذكورة في الآية لها طابع تخييري ؟أي هل أن الحكومة الإِسلامية مخيرة في استخدام أي منهما بحق الفرد الذي تراه يستحق ذلك ،أم أن العقوبة يجب أن تتناسب ونوع الجريمة التي ارتكبها الفرد ؟أي إِذ ارتكب الفرد المحارب جريمة قتل ضد أفراد أبرياء تطبق بحقّه عقوبة الإِعدام ،وإِن ارتكب سرقة عن طريق التهديد بالسلاح تنفذ فيه عقوبة قطع أصابع اليد أو الرجل ،وإِذا ارتكب الجريمتين معاً يكون عقابه الإِعدام والصلب على الأعواد لفترة معينة لكي يعتبر به الناس ،وإِذا شهر الفرد المحارب السلاح على الناس دون أن يراق أيّ دم أو تتم سرقة شيء يكون عقابه النفي إلى بلد آخر ؟
لا شك أنّ الاحتمال الثّانيوهو تطبيق العقوبة المتناسبة مع الجريمة أقرب إلى الحقيقة ،وقد أيد هذا المعنى ما ورد في أحاديث عن أئمّة أهل البيت( عليهم السلام )أيضاً{[1030]} .
وبالرغم من أنّ بعض الأحاديث أشارت إلى أنّ الحكومة الإِسلامية مخيرة في انتخاب أي من العقوبات الأربع الواردة ،لكننانظراً للأحاديث التي أشرنا إِليها قبل قليلنرى أنّ المراد من التخيير لا يعني أن تنتخب الحكومة الإِسلامية واحداً من العقوبات المذكورة انتخابا اعتباطيا دون أن تأخذ نوع الجريمة بنظر الاعتبار ،حيث من المستبعد كثيراً أن تكون عقوبتا الإِعدام والصلب متساويتين مع عقوبة النفي ،أو أن تكونا بمنزلة واحدة !
ويلاحظ هذا الأمر أيضاً في الكثير من القوانين الوضعية المعاصرة بصورة واضحة ،حيث تعين عقوبات مختلفة لنوع واحد من الجرائم ،وعلى سبيل المثال نرى أن بعض الجرائم تتراوح عقوبتها بين 3 سنين إلى 10 سنين من السجن ،والقاضي يتعامل في هذا المجال وفق ما يراه مناسباً لواقع الحال ،وليس وفق ما يشتهيه هو ،فتارة يكون المناسب في الجريمة أن تطبق العقوبة المشددة ،وأُخرى يتناسب معها تخفيف العقوبة ،نظراً للظروف المحيطة والملابسات الواردة في حالة ارتكاب الجريمة .
وهذا القانون الإِسلامي الذي جاء بحق المحاربين ،يتفاوت فيه أسلوب العقاب ونوعه مع اختلاف الجريمة التي يرتكبها الفرد المحارب أو الجماعة المحاربة .
وغني عن القول أنّ العقوبات المشددة التي جاء بها الإِسلام لقطاع الطريق تتوضح فلسفتها في الأهمية القصوى التي أعارها هذا الدين للدماء البريئة ،لكي يحول دون اعتداء الأفراد الأشقياء الأشرار القتلة على أرواح وأموال وأعراض الناس الأبرياء{[1031]} .
وفي الختام تشير الآية إلى أن هذه العقوبات هي لفضح المجرمين في الدنيا ،وسوف لا يتوقف الأمر على هذه العقوبات ،بل سينالون يوم القيامة عقاباً أشد وأقسى حيث تقول الآية: ( ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) .