وقوله:( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) أما على قول من قال:هي في أهل الشرك فظاهر ، وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم ، فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل ، وهل يسقط قطع اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء .
وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع ، وعليه عمل الصحابة ، كما قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن مجاهد عن الشعبي قال:كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة وكان قد أفسد في الأرض وحارب ، فكلم رجالا من قريش منهم:الحسن بن علي وابن عباس وعبد الله بن جعفر فكلموا عليا فلم يؤمنه . فأتى سعيد بن قيس الهمداني فخلفه في داره ، ثم أتى عليا فقال:يا أمير المؤمنين ، أرأيت من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ، فقرأ حتى بلغ:( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) قال:فكتب له أمانا . قال سعيد بن قيس:فإنه حارثة بن بدر .
وكذا رواه ابن جرير من غير وجه ، عن مجاهد عن الشعبي به . وزاد:فقال حارثة بن بدر:
ألا أبلغن همدان إما لقيتها على النأي لا يسلم عدو يعيبها لعمر أبيها إن همدان تتقي ال
إله ويقضي بالكتاب خطيبها
وروى ابن جرير من طريق سفيان الثوري عن السدي - ومن طريق أشعث كلاهما عن عامر الشعبي قال:جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمارة عثمان رضي الله عنه ، بعدما صلى المكتوبة فقال:يا أبا موسى هذا مقام العائذ بك ، أنا فلان بن فلان المرادي وإني كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الأرض فسادا ، وإني تبت من قبل أن يقدر علي . فقام أبو موسى فقال:إن هذا فلان بن فلان ، وإنه كان حارب الله ورسوله ، وسعى في الأرض فسادا ، وإنه تاب من قبل أن يقدر عليه ، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير ، فإن يك صادقا فسبيل من صدق ، وإن يك كاذبا تدركه ذنوبه ، فأقام الرجل ما شاء الله ، ثم إنه خرج فأدركه الله تعالى بذنوبه فقتله .
ثم قال ابن جرير:حدثني علي حدثنا الوليد بن مسلم قال:قال الليث وكذلك حدثني موسى بن إسحاق المدني وهو الأمير عندنا:أن عليا الأسدي حارب وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال ، فطلبه الأئمة والعامة ، فامتنع ولم يقدر عليه ، حتى جاء تائبا ، وذلك أنه سمع رجلا يقرأ هذه الآية:( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) [ الزمر:53] ، فوقف عليه فقال:يا عبد الله ، أعد قراءتها . فأعادها عليه ، فغمد سيفه ، ثم جاء تائبا . حتى قدم المدينة من السحر ، فاغتسل ، ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح ، ثم قعد إلى أبي هريرة في غمار أصحابه ، فلما أسفروا عرفه الناس ، فقاموا إليه ، فقال:لا سبيل لكم علي جئت تائبا من قبل أن تقدروا علي . فقال أبو هريرة:صدق . وأخذ بيده أبو هريرة حتى أتى مروان بن الحكم - وهو أمير على المدينة في زمن معاوية - فقال:هذا علي جاء تائبا ، ولا سبيل لكم عليه ولا قتل . قال:فترك من ذلك كله ، قال:وخرج علي تائبا مجاهدا في سبيل الله في البحر ، فلقوا الروم فقربوا سفينته إلى سفينة من سفنهم فاقتحم على الروم في سفينتهم ، فهربوا منه إلى شقها الآخر ، فمالت به وبهم ، فغرقوا جميعا .