قوله:{إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئون والنصرى من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا} الذين آمنوا هم المسلمون الذين صدقوا الله ورسوله وألزموا أنفسهم بمنهج الله قولا وعملا واعتقادا .
والذين هادوا ،هم اليهود .أما الصابئون ففي حقيقتهم خلاف .فقد قيل: إنهم طائفة من النصارى والمجوس ليس لهم دين .وقيل: إنهم طائفة من اليهود والمجوس . وقيل: هم قوم خرجوا عن دين اليهود والنصارى ثم عبدوا الملائكة وكانوا يصلون إلى غير القبلة ويقرؤون الزبور .وقيل غير ذلك .والصابئون ،مرفوع لوجهين:
أحدهما: الرفع على الاستئناف .فيكون في الآية تقديم وتأخير .والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ،والصابئون والنصارى كذلك .
ثانيهما: أن يكون قوله:{من ءامن بالله واليوم الآخر} خبر للصابئين والنصارى .وأن يقدر للذين آمنوا والذين هادوا خبر مثل الذي قدر للصابئين والنصارى{[1022]} وإما النصارى ،جمع نصران وهم حملة الإنجيل .أما تأويل الآية فإنه لا يحصل لأحد فضيلة أو منقبة إلا إذا تحقق فيه الإيمان بالله واليوم الآخر وعمل صالحا سواء كان من المسلمين أو اليهود أو الصابئين أو النصارى ،إذ لا ينبغي التعويل على المسميات فإنها وحدها لا تغني بافتقاد العنصرين الأساسيين هما الإيمان الصحيح والعمل الصالح المشروع .وعلى هذا من أحدث من هؤلاء الطوائف إيمانا حقيقيا خالصا بالبعث بعد الممات على الوجه الصحيح – وليس كما يزعمه أهل الكتاب من إيمان محرف باطل – وعمل عملا صالحا يقتضيه هذا الإيمان{فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي لاخوف عليهم يقدمون عليه من أهوال القيامة حيث القوارع والقواصم التي تضطرب من فظاعتها القلوب ويشيب من ويلاتها ودواهيها الولدان .
وقوله:{ولا هم يحزنون} أي لا يأسون على ما خلفوه في الدنيا وما تركوه وراء ظهورهم ،ولا يمسهم الحزن لفراقهم الأحباب والخلان والأوطان ،بل يغمرهم الرحمن بسكينة منه ورضوان حتى إذا عاينوا ما أعده الله لهم من نعيم وتكريم نسوا الدنيا وما فيها من متاع وبهجة وروابط{[1023]} .