الآية التّالية تعود لتقرر مرّة أُخرى هذه الحقيقة ،وتؤكّد أنّ جميع الأقوام وأتباع كل المذاهب دون استثناء ،مسلمين كانوا أم يهوداً أم صابئين{[1098]} أم مسيحيين ،لا ينجون ولا يأمنون الخوف من المستقبل والحزن على ما فاتهم إِلاّ إِذا آمنوا بالله وبيوم الحساب وعملوا صالحاً: ( إِنّ الذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .
هذه الآية ،في الحقيقة ردّ قاطع على الذين يظنون النجاة في ظل قومية معينة ،ويفضلون تعاليم بعض الأنبياء على بعض ،ويتقبلون الدعوة الدينية على أساس من تعصب قومي ،فتقول الآية إِن طريق الخلاص ينحصر في نبذ هذه الأقوال .
وكما أشرنا في تفسير الآية ( 62 ) من سورة البقرة ،التي تقترب في مضمونها من مضمون هذه الآية سعى بعضهم بجد ليثبت أنّ هذه الآية تعتبر دليلا على «السلام العام » وعلى أنّ أتباع جميع الأديان ناجون ،وأن يتجاهل فلسفة نزول الكتب السماوية بالتتابع الذي يدل على تقدم الإِنسان في مسيرته التكاملية التدريجية .
ولكنكما قلناتضع الآية حدّاً فاصلا بقولها ( وعمل صالحاً ) لكل قول ،وتشخص الحقيقة ،بخصوص تباين الأديان ،فتوجب العمل بآخر شريعة إِلهية ،لأنّ العمل بقوانين منسوخة ليس من العمل الصالح ،بل العمل الصالح هو العمل بالشرائع الموجودة وبآخرها ( لمزيد من الشرح والتوضيح بهذا الشأن انظر المجلد الأوّل ص 217 .
ثمّ إِنّ هناك احتمالا مقبولا في تفسير عبارة ( من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً ) وهو إِنّها تختص باليهود والنصارى والصابئين ،لأنّ ( الذين آمنوا )في البداية لا تحتاج إلى مثل هذا القيد ،وعليه ،فإن معنى الآية يصبح هكذا:
إِنّ المؤمنين من المسلمينوكذلك اليهود والنصارى والصابئين ،بشرط أن يؤمنوا وأن يتقبلوا الإِسلام ويعملوا صالحاًسيكونون جميعاً من الناجين وإِن ماضيهم الديني لن يكون له أي أثر في هذا الجانب ،وإِن الطريق مفتوح للجميع ( تأمل بدقّة ) .