المفردات:
الصابئون: المائلون من عقيدة إلى عقيدة ،والمراد: أتباع بعض الرسالات السماوية السابقة .
التفسير:
69- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئونَ وَالنَّصَارَى ... الآية .
إن أتباع الديانات السابقة من المؤمنين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ومن اليهود المتمسكين برسالة موسى عليه السلام قبل المسيحية ممن لم يحرفوا كتب أنبيائهم .
ومن الصابئين الذين تمسكوا بملة إبراهيم عليه السلام قبل نسخها .
( والصابئة: فرقة تعيش في العراق ولهم طقوس دينية خاصة بهم ،ومن العسير الجزم بحقيقة معتقدهم لأنهم أكتم الناس لعقائدهم .ويقال: إنهم يعبدون الملائكة أو الكواكب ) .
ومن المسيحين الذي تمسكوا بالمسيحية ،ولم يحرفوها قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم .
هؤلاء جميعا إذا آمنوا بالله تعالى إيمانا صحيحا غير ملتبس بالشرك ،واستمسكوا بهذا الإيمان ، واتبعوا أنبياءهم وما جاء على ألسنتهم من التبشير بمحمد صلى الله عليه وسلم وآمنوا به عند مبعثه ،وآمنوا بالبعث والنشور والجزاء ،وعملوا الصالحة ؛إن هؤلاء جميعا يظفرون بالثواب الجزيل على ما قدموه من إيمان وعمل صالح .
مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ .إن كل من آمن من هؤلاء بالله واليوم الآخر- فإن الله تعالى يرضى عنه ويثيبه ثوابا حسنا .
ولا خوف على هؤلاء المؤمنين من عقاب ولا يعتريهم حزن من سوء الجزاء فلا يخافون بخسا ولا رهقا ولا يحزنهم الفزع الأكبر .
يقول الدكتور طنطاوي:
والإيمان المشار إليه في قوله: مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر . ِ يفسره بعض العلماء بالنسبة لليهود والنصارى والصابئين .بمعنى: صدور الإيمان منهم على النحو الذي قدره الإسلام فمن لم تبلغه دعوة الإسلام وكان ينتمي إلى دين صحيح في أصله بحيث يؤمن بالله واليوم الآخر ،ويقوم بالعمل الصالح على الوجه الذي يرشده إليه دينه ؛فله أجره على ذلك عند ربه .
أما الذين بلغتهم دعوة الإسلام من تلك الفرق ،ولكنهم لم يقبلوها فإنهم لا يكونون ناجين من عذاب الله مهما ادعوا أنهم مؤمنون بدين آخر ؛لأن شريعة الإسلام قد نسخت ما قبلها ،والرسول صلى الله عليه وسلم قال: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أتباعي{[295]} .
وبعض العلماء يرى أن معنى من آمن . أي: من أحدث من هذه الفرق إيمانا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء من عنده .
قالوا: لأن مقتضى المقام هو الترغيب في دين الإسلام
والآية الكريمة مسوقة للترغيب في الإيمان والعمل الصالح .
وقد بدأت الآية بحرف إن وهو حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر وكان مقتضى ذلك أن تكون هكذا .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئونَ .لكن جمهور القراء قرأها والصابئون ،وقرأ ابن كثير بالنصب .
ورفع: الصابئون ؛إبرازا لأنهم أيضا ناجون شأنهم شأن المؤمنين والنصارى واليهود ،ودفعا لما يسبق إلى الأذهان من أنهم عبدة أوثان .
وجاء في حاشية الجمل على الجلالين:
وقوله: إن الذين آمنوا أي: إيمانا حقا لا نفاقا ،وخبر إن محذوف وتقديره:فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ،دل عليه المذكور .
والذين هادوا: مبتدأ فالواو لعطف الجمل أو للاستئناف وقوله: والصابئون والنصارى عطف على هذا المبتدأ وقوله: فلا خوف عليهم .خبر عن هذه المبتدآت الثلاثة وقوله: من آمن بالله واليوم الآخر .بدل من كل منها بدل بعض من كل بعض ،فهو مخصص فكأنه قال:"الذين آمنوا من اليهود ومن النصارى والصابئين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ،فالإخبار عن اليهود ومن بعدهم بما ذكر مشروط بالإيمان لا مطلقا ..."{[296]}