مقياس الأمن يوم القيامة
لقد تقدّم تفسير هذه الآية عند التعرّض لتفسير آية ( 62 ) من سورة البقرة ،وقد يكون من المناسب هنا أن نوضح الفكرة توضيحاً بسيطاً ،وهو أنَّ هذه الآية تتحدَّث عن المقياس الَّذي يخضع له أمن النَّاس في يوم القيامة ،فليس هو الانتماء إلى هذه الصفات والأسماء ،بل هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح بحدوده التفصيليّة المبيّنة في مكانٍ آخر من كتاب الله ،مع تعميق الخط التوحيدي الَّذي يربط الإسلام في خط العقيدة بالإيمان بالله الواحد في معنى الربوبيّة الّتي تستلزم العبوديّة في الإنسان وتنفتح به على المسؤوليّة في اليوم الآخر ،وتلك هي مهمة الرسل الَّذين ذابوا في الإيمان ليؤكدوا علاقة الإنسان بالله إيماناً وحركةً ومسؤوليّة ،الأمر الَّذي يفرض على المؤمنين الانفتاح على الرسل في خطِّهم الرسالي في معنى ارتباط شخصيتهم بالرسالة لا في الاستغراق في ذاتياتهم الشخصيّة .
وربَّما كان إهمال الحديث عن النبوّة هنا ،باعتبار أنَّه شأنٌ من شؤون الإيمان بالله ،لأنَّ النبي( ص ) هو الَّذي يُحدّد لهذا الإيمان حدوده ،وهو الَّذي يُخطط للعمل الصالح مواقعه ،فهي الإطار الَّذي يضم هذه الأمور الثلاثة ويجمعها في خط واحد ،وبذلك لا تكون الآية ظاهرة في إهمال النبوّة كأساسٍ من أسس الإيمان ،بل في تحديد الموقف من هؤلاء الَّذين يعيشون بالأماني على أساس الانتماء بالشكل لا بالمضمون ،تماماً كما هي الآية الكريمة:{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً} [ النساء:123124] .أمَّا رفع كلمة{وَالصَّابِئُونَ} مع أنَّها معطوفة على اسم{إِنَّ} المنصوب ،فربَّما كان الوجه فيها أنَّه معطوف على محل اسم{إِنَّ} الَّذي هو الرفع ،لأنَّه في موضع الابتداء كما حُرِّر في محله .