قوله تعالى:{قل لمن ما في السموت والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيمة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} أي قل لهم يا محمد على سبيل التقريع والتوبيخ{لمن ما في السموات والأرض} أي لمن الكائنات جميعا ؟من خالقها ومالكها والمتصرف فيها ؟{قل لله} فقد أمر الله بالسؤال أولا ثم بالجواب عن السؤال ثانيا .وهو أن كل شيء في السموات والأرض مملوك لله .وأن ما من شيء إلا وهو من مخاليق الله سواء كان ذلك باعترافهم أو قيام الحجة عليهم .
قوله:{كتب على نفسه الرحمة} أي أوجبها على ذاته المقدسة بطريق التفضل والإحسان من غير وسائط .وقيل: وعد بها ( الرحمة ) فضلا منه وكرما: وقيل: قضى أنه بعباده رحيم لا يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم الإنابة والتوبة .وهذا من الله استعطاف للمعرضين عنه إلى الإقبال إليه بالتوبة .وقيل: تأويله فيما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لما قضى الله تعالى الخلق كتب كتابا فوضعه عنده فوق العرش أن رحمتي سبقت غضبي ".
قوله:{ليجمعنكم إلى يوم القيمة لا ريب فيه} اللام لام القسم ،والنون نون التوكيد .وجملة{ليجمعنكم} مستأنفة على جهة التبيين فيكون تمام الكلام عند قوله:{الرحمة} فيكون المعنى: ليمهلنكم وليؤخرن جمعكم{إلى يوم القيمة} وقيل: ليجمعنكم في القبور إلى اليوم الذي أنكرتموه .وقيل:{إلى} بمعنى ( في ) أي ليجعلنكم في يوم القيامة .وهذا اليوم الموعود والذي توعد الله فيه الظالمين والمعرضين والمستكبرين ،واقع لا محالة وهو يوم لا شك فيه .قوله:{الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} اسم الموصول{الذين} إعرابه ثلاثة وجوه: الأول: الرفع على أنه مبتدأ ،وخبره{فهم لا يؤمنون} ودخلت الفاء في خبر الموصول .وهي تتضمن معنى الشرط والجزاء .
والثاني: النصب على البدل من الكاف والميم في قوله:{ليجمعنكم} .
والثالث: النصب على الذم{[1126]} .
قل الزمخشري في الكشاف في المقصود بالآية: الذين خسروا أنفسهم في علم الله تعالى ،لاختيارهم الكفر فهم لا يؤمنون .أي أن الذين حكم الله تعالى بخسرانهم لاختيارهم الكفر لا يؤمنون .والحكم بالخسران سابق على عدم الإيمان ،لأنه مقارن للعلم باختيارهم للكفر{[1127]} .