المفردات:
كتب على نفسه الرحمة: أي أوجبها على نفسه ،فضلا منه وكرما .
التفسير:
12- قل لمن ما في السموات والأرض قل لله ...الآية .أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الجاحدين المعرضين عن دعوتك: لمن هذا الكون بكل ما فيه من يملك السماء وما فيها من شموس وأقمار وملائكة وأبراج وأفلاك ؟
ومن يملك الأرض وما فيها من نبات ،وإنسان وحيوان وحشرات وإنس وجن وغير ذلك من المخلوقات ؟
إن الإجابة الصحيحة التي يعترفون بها ولا يستطيعون إنكارها ،أن هذا الكون كله قد خله الله .
قال تعالى: ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون .( العنكبوت: 21 ) .
وإنما أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يتولى الإجابة عنهم لأن هذا الجواب معترف به منهم لا يسعهم إنكاره .
قال الإمام الرازي: وقوله: قل لمن ما في السموات والأرض .سؤال ،وقوله: قل لله .جواب فقد أمره الله تعالى بالسؤال أولا ثم الجواب ثانيا ،وهذا إنما يحسن في الموضع الذي يكون الجواب قد بلغ في الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر ،ولا يقدر على دفعه دافع ،وهنا كذلك لأن القوم كانوا معترفين بأن العالم كله لله وتحت تصرفه وقهره وقدرته ( 60 ) .
قال الزمخشري:
والمقصود من السؤال هنا ،التبكيت والتوبيخ .
كتب على نفسه الرحمة .أي أوجهها على نفسه لعباده فضلا منه ومنة فهو سبحانه خالق الكون ومبدعه على غير مثال سابق ،وهو سبحانه يسمع النداء ويجيب الدعاء ،وهو سبحانه غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ،وهو سبحانه قريب من عباده ،متحنن على خلقه ،وهو سبحانه قسم الرحمة مائة جزء أنزل جزءا واحدا في الدنيا يتراحم به الناس وادخر 99 جزءا يرحم بها عباده يوم القيامة ،وهو سبحانه ،يتلطف ويتحنن على عباده فيفتح بابه بالليل ليتوب مسيء النهار ويفتح بابه بالنهار ليتوب مسيء الليل ،وفي الحديث الصحيح: ( ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فينادي يا عبادي: هل من داع فأستجب له ،هل من مستغفر فأغفر له ،هل من تائب فأتوب عليه ،هل من طالب حاجة فأقضيها له حتى يطلع الفجر ( 61 ) .
ومن رحمة الله بعباده أنه يجمعهم للجزاء والثواب والعقاب يوم القيامة ،وبذلك يثق المؤمن أن وراء هذه الدنيا دارا أخرى هي دار الجزاء العادل ،والفاجر يرتدع وينزجر ولا يتمادى في فجوره ،ومن رحمة الله أن جعل جزاء الحسنة عشر أمثالها وجعل جزاء السيئة سيئة مثلها ،وفي الصحيحين ،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ،قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي ) ( 62 ) .
وقد أفاض الأستاذ سيد قطب عند تفسير هذا المقطع من الآية في بيان فضل الله ورحمته وكرمه ولطفه وإنعامه على عباده .
ثم نقل طائفة كثيرة من الأحاديث النبوية الشريفة في بيان رحمة الله وفضله ،ثم نقل جانبا من سعة رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتربيته لأصحابه على معاني الرحمة حيث بين لهم أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أخرج لسانه من العطش فنزعت خفها فسقته به فغفر الله لها ( 63 ) وفي رواية عند مالك والشيخين أن رجلا سقى كلبا فشكر الله له فغفر له ،قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا ؟قال: في كل كبد رطبة أجر .( 64 ) .
ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه .وهذا الجمع من سعة فضل الله ورحمته وعدله بين عباده فقد جمعهم لإثابة المحسن ومعاقبة المسيء ،وقد أكد هذا المعنى بلام القسم وبنون التأكيد الثقيلة ،وبقوله سبحانه لا ريب فيه .أي ، ه يوم لا ينبغي لأحد أن يرتاب فيه لوضوح أدلته .
الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون .ستكون خسارتهم شديدة يوم القيامة ،هؤلاء الذين عطلوا أماكن الإدراك في أنفسهم ،فعموا أعينهم عن الحق ،وصموا آذانهم عن سماع النصح ،وأغلقوا قلوبهم عن التفتح لنداء الإيمان ،وأهدروا قواهم العقلية وعطلوها عن النظر في آيات الله .
لقد خسروا أنفسهم فلم تعد لهم نفس تؤمن ،إن هؤلاء لم يخسروا شيئا ويربحوا شيئا ،إن خسارتهم كاملة فقد خسروا أنفسهم وخسروا بواعث الإيمان وخسارتهم أكبر الخسائر في الدنيا وعند البعث والجزاء .
قال الألوسي: في تفسيره روح المعاني:
الفاء في قوله: فهم لا يؤمنون .للدلالة على أن عدم إيمانهم وإصرارهم على الكفر مسبب عن خسرانهم ،فإن إبطال العقل والانهماك في التقليد أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع عن الإيمان .
/خ16