قوله تعالى:{قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقبنا بعد إذ هدنا الله كالذي استهوته الشيطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العلمين ( 71 ) وأن أقيموا الصلوة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون} .
قيل: نزلت في المشركين ،إذ قالوا للمسلمين: اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد فأنزل الله هذه الآية{قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا} يعني أنعبد من دون الله آلهة مصطنعة اختلقتموها أنتم من أوثان وأنداد موهومة لا تضر ولا تنفع ؟ أتدعوننا أن نترك عبادة الله الأحد الصمد خالقكم وخالق كل شيء لننتكس مرتدين سفهاء عن دين الله الحق إلى شرككم وباطلكم وهوان أحلامكم ؟!
قوله:{ونرد على أعقبنا بعد إذ هدانا الله} الأعقاب جمع عقب وهو مؤخر القدم{[1200]} والمراد بذلك الرجوع إلى الضلال والشرك والجاهلية .والتعبير بالأعقاب فيه تقبيح وإنكار للارتداد عن ملة الإسلام إلى ملل الكفر .وذلك بعد أن من الله على المؤمنين فهداهم إلى توحيد الإسلام وما يؤول إلى النجاة والفوز برضى الله ونعيمه في الآخرة .
قوله:{كالذي استهوته الشيطين في الأرض حيران} الكاف في الاسم الموصول في محل نصب نعت لمصدر محذوف .أي أنرد ردا مثل رد الذي استهوته الشياطين .وقيل: في موضع الحال ،واستهوته بمعنى هوت به إلى أسفل .وهو من الفعل هوى أي سقط ونزل من الموضع العالي إلى الوهدة العميقة السحيقة من قعر الأرض .وهذا تشبيه لحال هذا المنتكس الضال بحال الساقط من العلا إلى حيث الهبوط والتردي مع السافلين .
وقيل: استهوته من الهوى والجنوح .أي أغوته وسولت له الكفر والباطل .وحيران ،منصوب على الحال .وهو من الحيرة بمعنى التردد في الأمر{[1201]} وهذه حال المنتكس الساقط الذي استزلته الشياطين فهوى من العلو حيث الهدى والإيمان ،إلى السفل حيث الضياع واليأس والاضطراب .فمن كان حاله هكذا لا جرم أنه يهيم في التردد والحيرة والجزع .
قوله:{له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا} قيل: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه كان يدعو أباه إلى الكفر ،وأبوه كان يدعوه إلى الإيمان ويأمره أن يعرض عن الجهالة إلى الهداية وعن ظلام الباطل إلى ضياء الحق .
والمقصود أن ذلك فيمن أطاع الشيطان وعمل في حياته بالمعصية وضل عن طريق الله وله أصحاب يدعونه إلى الحق وإلى المحجة المستقيمة البيضاء ،محجة الإسلام .لكنه أبى وأعرض مستكبرا .
قوله:{قل إن هدى الله هو الهدى} هذا إعلان من الله للبشرية على أن هدى الله الذي هو دين الإسلام لهو الهدى وحده دون غيره من السبل والطرائق .فما من ملة ولا شرعة ولا منهاج غير دين الإسلام لا جرم أنه مخالف للمحجة السليمة المستقيمة ومغاير للحق الذي بينه الله للناس تفصيلا .ومن أجل ذلك أمرنا الله باتباعه دون غيره من الملل المحرفة القائمة على الإفراط والشطط .فقال سبحانه:{وأمرنا لنسلم لرب العالمين} أي أمرنا الله أن ننقاد له مخبتين مطيعين وأن نستسلم لأمره بالامتثال والعمل .