التّفسير
كان المشركون يصرّون على دعوة المسلمين إِلى العودة إِلى الكفر وعبادة الأصنام ،فنزلت هذه الآية تأمر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالردّ عليهم ردّاً يدحض رأيهم ويفند دعوتهم في جواب بصيغة الاستفهام الاستنكاري: أتريدون منّا أن نشرك مع الله ما لا يملك لنا نفعاً فنعبده لذلك ،ولا يملك لنا ضرراً فنخافه ؟!: ( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ) .
هذه الآية تشير إِلى أنّ أفعال الإِنسان تنشأ عادة عن دافعين ،فهي إِمّا أن تهدف إِلى استجلاب منفعة ( مادية كانت أم معنوية ) ،وأمّا إِلى دفع ضرر ( مادياً كان أم معنوياً ) .فكيف يقدم الإِنسان على أمر ليس فيه أي من هذين العاملين ؟
ثمّ يأتي باستدلال آخر على المشركين ،فيقول: إِذا عدنا إِلى عبادة الأصنام ،بعد الهداية الإِلهية نكون قد رجعنا القهقري ،وهذا يناقض قانون التكامل الذي هو قانون حياتي عام: ( ونردّ على أعقابنا بعد إِذ هدانا الله ){[1209]} .
ثمّ يضرب مثلا لتوضيح الأمر ،فيقول: إِنّ الرجوع عن التوحيد إِلى الشرك أشبه بالذي أغوته الشياطين ( أو غيلان البوادي التي كان عرب الجاهلية يعتقدون أنّها تكمن في منعطفات الطرق وتغوي السابلة وتضلهم عن الطريق ) فتاه عن مقصده وظل حيراناً في الباديّة: ( كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران )بينما له رفاق يرشدونه إِلى الصراط السوي المستقيم وينادونه: هلم إِلينا ،ولكنّه من الحيرة والتيه بحيث لا يسمع النداء ،أو إنّه غير قادر على اتخاذ القرار: ( له أصحاب يدعونه إِلى الهدى ائتنا ){[1210]} .
وفي الختام يؤمر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يقول: إِنّ الهداية من الله وليس لنا إِلاّ أن نسلم لأمر الله ربّ العالمين: ( قل إِنّ هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لربّ العالمين ) .
وهذا دليل آخر على رفض دين المشركين ،إِذ التسليم لا يكون إِلاّ لخالق الكون ومالكه وربّ عالم الوجود ،لا الأصنام التي لا دور لها في إِيجاد هذا العالم وإِدارته .
سؤال:
يبرز هنا هذا السؤال: لم يكن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل البعثة من أتباع دين المشركين فكيف تقول الآية: ( نردّ على أعقابنا ) ونحن نعلم أنّه لم يسجد قط لصنم ،إِذ لم يرد هذا في جميع التواريخ التي كتبت عنه ،بل أن مقام العصمة لا يمكن أن يسمح بحدوثه ؟
الجواب:
في الحقيقة تعتبر هذه الآية ممّا جاء على لسان جميع المسلمين ،لا على لسان النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحده ،ولذلك جاءت الضمائر فيها بصيغة الجمع .