قال السدي:قال المشركون للمؤمنين:اتبعوا سبيلنا ، واتركوا دين محمد فأنزل الله ، عز وجل:( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا ) أي:في الكفر ( بعد إذ هدانا الله ) فيكون مثلنا مثل الذي ( استهوته الشياطين في الأرض [ حيران] ) يقول:مثلكم ، إن كفرتم بعد الإيمان ، كمثل رجل كان مع قوم على الطريق ، فضل الطريق ، فحيرته الشياطين ، واستهوته في الأرض ، وأصحابه على الطريق ، فجعلوا يدعونه إليهم يقولون:"ائتنا فإنا على الطريق "، فأبى أن يأتيهم . فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق ، والطريق هو الإسلام . رواه ابن جرير .
وقال قتادة:( استهوته الشياطين في الأرض ) أضلته في الأرض ، يعني:استهوته مثل قوله:( تهوي إليهم ) [ إبراهيم:37] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله:( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ) الآية . هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها ، والدعاة الذين يدعون إلى الله ، عز وجل ، كمثل رجل ضل عن طريق تائها ضالا إذ ناداه مناد:"يا فلان بن فلان ، هلم إلى الطريق "، وله أصحاب يدعونه:"يا فلان ، هلم إلى الطريق "، فإن اتبع الداعي الأول ، انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى ، اهتدى إلى الطريق . وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان ، يقول:مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله ، فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت ، فيستقبل الهلكة والندامة . وقوله:( كالذي استهوته الشياطين في الأرض ) هم "الغيلان "، يدعونه باسمه واسم أبيه وجده ، فيتبعها وهو يرى أنه في شيء ، فيصبح وقد ألقته في هلكة ، وربما أكلته - أو تلقيه في مضلة من الأرض ، يهلك فيها عطشا ، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله ، عز وجل . رواه ابن جرير .
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد:( كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ) قال:رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق ، وذلك مثل من يضل بعد أن هدي .
وقال العوفي عن ابن عباس قوله:( كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ) هو الذي لا يستجيب لهدى الله ، وهو رجل أطاع الشيطان ، وعمل في الأرض بالمعصية ، وجار عن الحق وضل عنه ، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ، ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى ، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس ، يقول [ الله] ( إن هدى الله هو الهدى ) والضلال ما يدعو إليه الجن . رواه ابن جرير ، ثم قال:وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال ، ويزعمون أنه هدى . قالت:وهذا خلاف ظاهر الآية ; فإن الله أخبر أن أصحابه يدعونه إلى الهدى ، فغير جائز أن يكون ضلالا وقد أخبر الله أنه هدى .
وهو كما قال ابن جرير ، وكان سياق الآية يقتضي أن هذا الذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ، وهو منصوب على الحال ، أي:في حال حيرته وضلاله وجهله وجه المحجة ، وله أصحاب على المحجة سائرون ، فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى . وتقدير الكلام:فيأبى عليهم ولا يلتفت إليهم ، ولو شاء الله لهداه ، ولرد به إلى الطريق ; ولهذا قال:( قل إن هدى الله هو الهدى ) كما قال:( ومن يهد الله فما له من مضل ) [ الزمر:37] ، وقال:( إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ) [ النحل:37] ، وقوله ( وأمرنا لنسلم لرب العالمين ) أي:نخلص له العبادة وحده لا شريك له .