قوله تعالى:{وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون 5 سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين 6 هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون 7 يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} .
ذكر أن ذلك كان في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم هناك اقتتل على الماء جهجاه الغفاري وكان أجيرا لعمر بن الخطاب ،وسنان بن يزيد وهو حليف لعبد الله بن أبي ،فقال سنان: يا معشر الأنصار ،وقال الجهجاه: يا معشر المهاجرين ،وزيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند عبد الله بن أبي فلما سمعها قال: قد ثاورونا في بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك ،والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .ثم أقبل على من عنده وقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو كففتم عنهم لتحوّلوا عنكم من بلادكم إلى غيرها ،فسمعها زيد بن أرقم ( رضي الله عنه ) ،فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غليم ،وهو عنده عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) فأخبره الخبر فقال عمر ( رضي الله عنه ): يا رسول الله مر عباد بن بشر فليضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فكيف إذا تحدث الناس يا عمر أن محمدا يقتل أصحابه ؟لا ولكن ناد يا عمر في الرحيل "فلما بلغ عبد الله بن أبي أن ذلك قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فاعتذر إليه وحلف بالله ما قال ما قال عليه زيد بن أرقم .فقال قومه: يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال .وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا في ساعة كان لا يروح .فلقيه أسيد بن الحضير ( رضي الله عنه ) فسلم عليه بتحية النبوة ثم قال: والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبيّ ؟زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعز منها الأذل "قال: فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل .ثم قال: أرفق به يا رسول الله فوالله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه .فإنه ليرى أن قد سلبته ملكا فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس حتى أمسوا ،وليلته حتى أصبحوا وصدر يومه حتى اشتد الضحى ثم نزل الناس ليشغلهم عما كان من الحديث ثم ناموا ،ونزلت سورة المنافقين{[4546]} .
قوله:{وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله} إذا قام إلى المنافقين عشائرهم يحذرونهم ويقولون لهم: إنكم افتضحتم وانكشف نفاقكم فأتوا رسول الله واطلبوا منه أن يستغفر لكم الله ،لكنهم{لوّوا رؤوسهم} أي أعرضوا معاندين مستكبرين وحركوا رؤوسهم يمينا وشمالا عتوا وسخرية واستهزاء .
قوله:{ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون} أي يعرضون عن رسول الله مستكبرين عن الإيمان .