هذا حالهم في العناد ومجافاة الرسول صلى الله عليه وسلم والإِعراض عن التفكر في الآخرة ،بَلْهَ الاستعداد للفوز فيها .
و{ تعالوا} طَلَب من المخاطب بالحضور عند الطالب ،وأصله فِعل أمر من التَعالي ،وهو تكلف العُلو ،أي الصعود ،وتنوسي ذلك وصار لمجرد طلب الحضور ،فلزم حالة واحدة فصار اسم فِعل ،وتقدم عند قوله تعالى:{ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} الآية في سورة[ الأنعام: 151] .
وهذا الطلب يجعل{ تعالوا} مشعر بأن هذه حالة من أحوال انفرادهم في جماعتهم فهي ثالث الأغراض من بيان مختلف أنواع تلك الأحوال ،وقد ابتدأت ب{ إذا} كما ابتدىء الغرضان السابقان ب{ إذا}{ إذا جاءك المنافقون}[ المنافقون: 1] .و{ إذا رأيتَهم تعجبك أجسامهم}[ المنافقون: 4] .
والقائل لهم ذلك يحتمل أن يكون بعضَ المسلمين وَعَظوهم ونصحوهم ،ويحتمل أنه بعض منهم اهتدى وأراد الإِنابة .
قيل المقول له هو عبد الله بنُ أُبَيّ ابن سلول على نحو ما تقدم من الوجوه في ذكر المنافقين بصيغة الجمع عند قوله:{ إذا جاءك المنافقون}[ المنافقون: 1] وما بعده .
والمعنى: اذهبوا إلى رسول الله وسَلُوه الاستغفار لكم .وهذا بدل دلالة اقتضاء على أن المراد توبوا من النفاق وأخلصوا الإِيمان وسَلُوا رسول الله ليستغفر لكم ما فرط منكم ،فكانَ الذي قال لهم ذلك مطَّلعاً على نفاقهم وهذا كقوله تعالى في سورة البقرة ( 13 ){ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} وليس المراد من الاستغفار الصفح عن قول عبد الله بن أُبَيّ ليخرجن الأعز منها الأذل .لأن ابنَ أُبَيّ ذَهب إلى رسول الله وتبرأ من أن يكون قال ذلك ولأنه لا يلتئم مع قوله تعالى:{ لن يغفر الله لهم}[ المنافقون: 6] .
ولَيُّ الرؤوس: إمالتها إلى جانب غير وِجاه المتكلم .إعراضاً عن كلامه ،أي أبوا أن يستغفروا لأنهم ثابتون على النفاق ،أو لأنهم غيرُ راجعين فيما قالوه من كلام بَذيء في جانب المسلمين ،أو لئلا يُلزموا بالاعتراف بما نسب إليهم من النفاق .
وقرأ الجمهور{ لوّوا} بتشديد الواو الأولى مضاعف لوى للدلالة على الكثرة فيقتضي كثرة اللي منهم ،أي لوى جمع كثير منهم رؤوسهم ،وقرأهُ نافع ورَوح عن يعقوب بتخفيف الواو الأولى اكتفاء بإسناد الفعل إلى ضمير الجماعة .
والخطاب في{ ورأيتهم} لغير معيّن ،أي ورأيتهم يا من يراهم حينئذٍ .
وجملة{ وهم مستكبرون} في موضع الحال من ضمير يصدون ،أي يصدون صدّ المتكبر عن طلب الاستغفار .