قوله تعالى:{فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهنّ بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الأخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا 2 ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} .
المراد ببلوغ الأجل ،قرب انقضاء العدة .يعني إذا شارفت المطلقات على انقضاء عدتهن{فأمسكوهن بمعروف} يعني راجعوهن بالرغبة والرفق والتسامح والإحسان من غير مضارّة أو مشاتمة أو مقابحة .وعلى هذا إذا شارفت المطلقة على انقضاء عدتها فالزوج حينئذ بالخيار .فإما أن يعزم على إرجاعها إلى عصمة نكاحه فيحسن صحبتها وإما أن يعزم على مفارقتها بمعروف دون إساءة أو تعنيف أو إيذاء ،بل يطلقها بالرفق والحسنى .
قوله:{وأشهدوا ذوي عدل منكم} يعني أشهدوا على إمساكهن - وهي المراجعة - شاهدي عدل من المسلمين ،موصوفين بالدين والأمانة والصدق احتياطيا من التجاحد بينهما .وروي عن ابن عباس قوله: إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها أشهد رجلين .وقيل: الأمر بالإشهاد هنا يراد به على الطلاق .لكن الأظهر رجوعه إلى الإمساك وهو الرجعة وليس الطلاق .
على أن الإشهاد على الرجعة أو الفرقة مندوب إليه عند الحنفية ،فأيتهما اختيار الزوج ندب له أن يشهد ذوي عدل من المسلمين .وإذا لم يشهد على الفرقة أو الإمساك ( الرجعة ) صح منه ذلك وخالف به السنة ،وذهب الإمام الشافعي إلى وجوب الإشهاد على الرجعة ،ومنذوب إليه في المفارقة .على أن الإشهاد مندوب إليه عند أكثر العلماء .
أما كيفية الرجعة إنما تتم بالكلام عند الشافعي .فلا تصح عند المراجعة إلا بالقول ليقع الإشهاد عليها .وتتم المراجعة عند الإمام مالك بغير القول مما يدل على إرادة الرجعة .وذلك كما لو قبّل أو باشر ،يريد بذلك ،الرجعة .وعند أبي حنيفة ،لو قبّل أو لامس بشهوة أو نظر إلى الفرج فذلك كله رجعة .
قوله:{وأقيموا الشهادة لله} يعني اشهدوا على الحق ،وأدوا الشهادة إذا استشهدتم بصدق واستقامة{ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر} الإشارة إلى ما تقدم ذكره من الأحكام عند الفراق والإمساك ،من الأمر بالإشهاد وإقامة الشهادة لله .فذلك موعظة من الله لعباده يتعظ بها المؤمنون الذين آمنوا بالله واليوم الآخر فهم الذين ينتفعون بها دون غيرهم من غير المؤمنين .
قوله:{ومن يتق الله يجعل له مخرجا} نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي .وذلك أن المشركين أسروا ابنا له فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الفاقة .وقال: إن العدو أسر ابني وجزعت الأم فما تأمرني ؟فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اتق الله واصبر ،وآمرك وأياها أن تستكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله "فعاد إلى بيته وقال لامرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله .فقالت: نعم ما أمرنا به .فجعلا يقولان ،فغفل العدو عن ابنه ،فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة ،فنزلت الآية{[4562]} .
ويستفاد من عموم الآية أن التقوى سبيل الخلاص والنجاة من الآفات والأزمات والكروب .والمؤمن الموصول القلب بالله فلا يذعن لأحد سواه ولا يرتضي بغير شرعه ودينه أيما شرع أو منهاج ،لا جرم أن الله منجّيه من محن الدهر ونائبات الأيام .
قال ابن عباس في تأويل قوله:{ومن يتق الله يجعل له مخرجا} أي مخرجا من كل كرب في الدنيا والآخرة .وقيل:{يجعل له مخرجا} من النار إلى الجنة .وقيل:{يجعل له مخرجا} أي مخرجا من كل شدة .أو من كل شيء ضاق على الناس على أن عموم الآية يتناول كل هذه المعاني .فالمؤمن التقي ذو القلب الخاشع لله ،المنيب إليه لا يخذله الله ولا يسلمه للشدائد والنوائب ،وإنما ينجيه مما ينزل به من الكروب والمصائب .