قوله:{والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} نكدا ،منصوب على الحال{[1439]} والبلد الطيب ،يراد به الأرض ذات التربة الخصيبة الكريمة ،إذا أنزل الله عليها الحيا والغيث خرج منها النبات الوافر ذو الثمر الطيب الغدق بإذن الله .أما الذي خبث فيراد به الأرض العسيرة التي لا تجدي ولا تنفع لكونها سبخة أو ذات حجارة وشوك ؛فإنها لا تخرج غير النبات النكد .أي القليل الذي لا يخر فيه .ولا يخرج إلا نكدا أي عسرا وفي شدة .والنكد بالفتح ،مصدر وهو الشدة والضيق والشؤم واللؤم ،وعطاء منكود ؛أي نزر قليل .والرجل المنكود ؛هو الذي كثر سؤاله وقل خيره .ورجل نكد ؛أي عسر ،وقوم أنكاد ومناكيد{[1440]} .
هذا مثل يضربه الله للناس ،يبين فيه اختلاف القلوب .فثمة قلب مؤمن كريم متفتح يعي حقيقة الإيمان والإخلاص ويقبل المواعظ والذكر ويلين للكلمة الصادقة الودود فيقبل على الله في طواعية ولين واستسلام .وقلب آخر مغاير كل مغايرة أو بعضها ؛فهو منكود وموصد وعسر لا خير فيه .قلب جاحد فظ لا يروق له الصدق والعدل والصواب ،ولا تعطفه المواعظ والذكرى ،وهو لفرط قسوته وتبلده وضموره لا نؤثر فيه أسباب الهداية أو الترشيد ؛فهو بذلك مستعص على كل هاتف من هواتف الدين المستقيم ،أو نداء من نداءات الهداة والمرشدين .ذلكم هو الإنسان النكد الشرير .الإنسان الظالم العتل الذي خبت فيه بصائص اللين والرحمة والجمال وغارت فيه كل ظواهر التدين والخير ،فأبي إلا التمرد والشرود والعصيان قوله:{كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون} أي مثلما صرفنا الآيات والبينات والدلائل لدحض الشرك وافتراءات الظالمين والمشركين ؛فإنما نردد الآيات والحجج ونكرها لتدل على قدرة الله البالغة فيتدبرها الشاكرون وهم الذين يحسنون الانتفاع بهذه الدلائل والبينات .