قوله تعالى:{لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم 59 قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين 60 قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين 61 أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} شرع يقص علينا أخبار المرسلين السابقين وما بذلوه من جهود هائلة لا يحتملها إلا أمثالهم من النبيين المرسلين .لقد بذلت رسل الله غاية طاقاتهم من التبليغ والأداء ودعوة الناس إلى عبادة الله والتزام دينه وشرعه وأن يجانبوا عبادة الطواغيت والمعاصي ليكونوا من الراشدين المهدين .فها هو جل جلاله يقص علينا من أخبار نوح عليه الصلاة والسلام .هذا النبي الكريم المفضال الذي عاش في قومه هديا ومبلغا ألف علم إلا قليلا .وقد يكون يدعوهم خلال هذا الزمن الطويل إلى الله وإلى الانثناء عن ضلالاتهم وحماقاتهم في الإذعان للأصنام .لكنه لقي من جحود قومه وعتوهم وعصيانهم وإيذائهم مالا يطيقه بشر من البشر إلا من كان في درجة نوح عليه الصلاة والسلام .
وفي حقيقة هذا الاسم ( نوح ) قيل: إنه سمي بذلك لكثرة ما ناح على نفسه .واختلفوا في سبب نياحه على نفسه فقيل: سببه دعونه على قومه بالهلاك .وقيل: مراجعته ربه في شأن ابنه كنعان .وقيل: إصرار قومه على الكفر .فكان كلما دعاهم وأعرضوا عنه بكي وناح عليهم .وقيل غير ذلك من الأخبار الظنية غير المستندة إلى أدلة معتبرة ومقبولة إلا الإغراق في الظن البعيد الذي لا يغني من الحق شيئا .والظاهر أن هذا الاسم قد وضع له عليه الصلاة والسلام لدى ولادته ؛فهو غير مشتق من النياحة أو النياح أو المناحة أو النوح .بل هو اسم أعجمي منصرف لخفته{[1441]} .
قوله:{يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} غيره ،مرفوع صفة لإله ،أو بدل منه باعتبار محله الذي هو الرفع على الابتداء .وقيل: مجرور على أنه صفة لإله باعتبار لفظه{[1442]} .
وفي الآية هذه ينادي نوح قومه الضالين المشركين نداء الرفيق الشفيق أن اعبدوا الله وحده وأطيعوه وأذعنوا له بالانقياد وذروا هذه الأنداد المصطنعة المفتراة ؛فإنها جميعا لا تضر ولا تنفع ؛فهي صم بلهاء لا تعي ولا تسمع ولا تملك لكم شيئا ؛فإنه ليس لكم في الحقيقة من إله خالق قادر رازق سوى الله .
قوله:{إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} وهذا تنذير من نوح لقومه يخوفهم به تخويفا ،فإذا لم يفيئوا إلى الله بعبادته وحده ونرك الأصنام كليا والانخلاع من هذه الربقة المهلكة .ربقة الشرك والضلال والتعس ،والتشبث بالأصنام المفتراة –لئن لم يفيقوا من هذا العمه الطاغي يستنقذوا أنفسهم من كابوس الوثنية الضالة العمياء ؛فلسوف يحيق بهم العذاب من الله .وهو عذاب أليم شديد قي يوم مذهل رعيب يشتد فيه الهول ويتعاظم فيه البلاء .ونوح عليه السلام حريص على قومه كل الحرص لتنجيتهم من العذاب .بل إنه يخاف عليهم أن يحل عليهم العذاب يوم القيامة ،وحينئذ لا يحول دونه حائل ،ولا تجدي معه شفاعة الشافعين .