التّفسير
/م59 .
وسوف يأتي شرح ودراسة جهود هذا النّبي العظيم ،وكيفية صنعه للسفينة ،والطوفان الرهيب ،وغرق قومه الأنانيين الفاسدين والوثنيين بإسهاب في السور المذكورة ،وهنا أكتفيفقطبإعطاء فهرست عن ذلك ضمن ست آيات هي: يقول أوّلا: ( لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه ) .
إنّ أوّل شيء ذكّرهم به هو إلفات نظرهم إلى حقيقة التوحيد ،ونفي أي نوع من أنواع الوثنية ( فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) .
إنّ شعار التوحيد ليس شعار نوح وحده ،بل هو أوّل شعار عند جميع الأنبياء والمرسلين الإلهين ،ولهذا يشاهد في آيات متعددة من هذه السورةوغيرها من السور القرآنيةأنّ أوّل ما يفتتح أكثر الأنبياء دعواتهم به هو هذا الشعار: ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ( راجع الآيات 65 ،و 73 و 85 من نفس هذه السورة ) .
من هذه العبارات يستفاد جيداً أنّ الوثنية كانت أسوأ مانع في طريق سعادة البشرية جمعاء ،وأنّ حملة غصون التوحيد هؤلاء كانوا أوّل ما يفعلونه لغرس هذه الغصون في مزرعة الحياة البشرية وتربية أنواع الورود الزاهية والأشجار المثمرة فيها ،هو أنّهم يشمرون عن ساعد الجدّ ليطهروا الحياة البشرية بمنجل تعاليمهم البناءة من الأشواك ،أشواك الوثنية والشرك والعبودية لغير الله تعالى .
ويستفاد من الآية ( 23 ) في سورة نوح خاصّة أنّ الناس في زمن النّبي نوح( عليه السلام ) كانوا يعبدون أصناماً متعددة تدعى «ودّ » و«سواع » و«يغوث » و«يعوق » و«نسر » ،التي سيأتي الحديث عنها عند تفسير تلك الآية بإذن الله .
وبعد أن أيقظ نوح ضمائرهم وفطرتهم الغافية ،حذّرهم من مغبة الوثنية وعاقبتها المؤلمة إذ قال: ( إنّي أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) .
والمراد من ( عذاب يوم عظيم ) يمكن أن يكون الطوفان المعروف بطوفان نوح ،الذي قلّما شوهد مثله في العقوبات في العظمة والسِعة ،كما ويمكن أن يكون إشارة إلى العقوبة الإلهية في يوم القيامة ،لأنّ هذا التعبير قد ورد في معنيين من القرآن الكريم .فإنّنا نقرأ في سورة الشعراء الآية ( 189 ): ( فأخذهم عذاب يوم الظلّة إنّه كان عذاب يوم عظيم ) الآية وردت حول العقوبة التي نزلت بقوم شعيب في هذه الدنيا بسبب ذنوبهم ومعاصيهم ،ونقرأ في سورة المطففين الآية ( 5 ): ( ألا يظن أُولئك أنّهم مبعوثون ليوم عظيم ){[1413]} .
إنّ عبارة «أخاف » ( أي أخشى أن تصيبكم هذه العقوبة ،بعد ذكر مسألة الشرك في الآية المبحوثة ،يمكن أن تكون لأجل أن نوحاً يريد أن يقول لهم: إذا لم تتيقنوا وقوع هذه العقوبة ،فعلى الأقل ينبغي أن تخافوا منها ،ولهذا لا يجيز العقل أن تسلكوامع هذا الاحتمالهذا السبيل الوعر ،وتستقبلوا عذاباً عظيماً أليماً كهذا .