التفسير:
لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم .
تمهيد:
سورة الأعراف مكية حافلة بالدعوة إلى الله ،وإنذار المكذبين ،وسوق الأدلة الباهرة على مظاهر القدرة الإلهية ،وقد تفننت في طرق هذه الدعوة .وفيما سبق من آيات لفتت الأنظار إلى آثار رحمة الله ،في خلق الكون وإعمار الأرض ،وإرسال الرسل ،وتسخير السحاب والمطر ،وهداية من عنده استعداد للهداية .
وفي الأجزاء الباقية من السورة تتحدث عن رسالات الأنبياء السابقين ،حديثا وسطا بين الإيجاز والإسهاب ،فتتحدث عن رسل الله نوح ،وهود ،وصالح ،ولوط ،وشعيب ،ثم تتحدث حديثا طويلا عن موسى وجهاده مع بني إسرائيل .
والقصص في القرآن الكريم يخدم فكرة السورة ،ويؤكدها ،ويعرضها بطريق آخر ،هو طريق لفت النظر إلى القدوة والأسوة ،فإذا كذب قوم نوح نوحا ثم أصابهم الطوفان بالغرق ،فإن هذه رسالة موجهة إلى أهل مكة تدعوهم إلى الإيمان ،وتحذرهم عاقبة الكفر والطغيان .
كذلك في هذا القصص مواساة للرسول وللمؤمنين ،وبيان أنم طريق الدعوات حافل بالمخاطر والتضحيات ،ولكن العاقبة للمتقين ،والهلاك للظالمين ،ففي سائر هذا القصص ينجى الله الرسل ويهلك المكذبين .
قال تعالى: حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجريمن .( يوسف: 110 )
لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره .......الآية .
نوح عليه السلام أول الرسل إلى أهل الأرض بعد آدم ،وكان بأرض العراق ،وقيل: إن إدريس قبل نوح .
وكان قوم نوح يعبدون الأصنام فأرسل الله إليهم نوحا ؛ليدلهم على طريق الرشاد .
جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآيات: قال عبد الله بن عباس وغير واحد من علماء التفسير: كان أول ما عبدت الأصنام: أن قوما صالحين ماتوا ،فبنى قومهم عليهم مساجد ،وصوروا صورا أولئك الصالحين فيها ؛ليتذكروا حالهم وعبادتهم ،فيتشبهوا بهم ،فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور ،فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام ،وسموها بأسماء أولئك الصالحين: ودا ،وسواعا ،ويغوث ،ويعوق ،ونسرا .
فلما تفاقم الأمر: بعث الله – تعالى – رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له .اه .
وقد عرضت قصة نوح في عدد من السور التي عرضت لذكر الأنبياء ،كما ذكر في سورة خاصة به وقد ذكر نوح في القرآن في ثلاثة وأربعين موضعا .فهو نموذج لدعوة طويلة .
جاء في تفسير أبي السعود ما يأتي:
ونوح هو ابن لمك بن متوشلح بن أخنوخ وهو إدريس النبي عليهما السلام .
قال ابن عباس: بعث نوح على رأس أربعين سنة من عمره ولبث يدعو قومه 950 سنة وعاش بعد الطوفان 250 سنة فكان عمره 1240 ألفا ومائتين وأربعين سنة .
وقد افتن نوح في عرض أدلة التوحيد ،بيد أن قومه احتجوا عليه بأن أتباعه من الفقراء والأراذل ،واشترطوا عليه أن يبعد الفقراء والسوقة من الناس إن أراد أن يدخل الأغنياء والعظماء في دعوته ،ولكن نوحا شرح لهم أن هداية السماء عامة للناس ،وبأي وجه يطرد الفقراء بعد أن آمنوا بالله واتبعوا هدى السماء ؟.
فقال قومه: يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين .( هو: 32 ) .
ودعا نوح ربه أن يهلك الكافرين ،فأمره الله أن يصنع سفينة النجاة ،وأن يحمل معه من كل زوجين اثنين ،كما يحمل معه من آمن به ،وكان عدد المؤمنين قليل ( قيل: كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة ،وقيل تسعة: أبناؤه الثلاثة وستة ممن آمن به ) ( 65 ) .
ولما جاء الطوفان أغرق الله الكافرين ونجى الله نوحا ومن معه من المؤمنين .
لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره .
أرسل الله نوحا إلى قومه وعشيرته وأقاربه ومن يقيم بينهم ،فقد يقيم الرجل بينهم الأجانب فيسميهم قومه مجازا للمجاورة .
فدعاهم نوح إلى عبادة الله وحده فهو سبحانه المستحق للعبادة وليس هناك إله سواه .
أي: اعبدوه ؛لأنه لم يكن لكم إله غيره حتى يستحق منكم أن يكون معبودا .
إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم .
أي: إن لم تعبدوه ؛أخاف عليكم عذاب يوم القيامة ،أو عذاب يوم الطوفان .