{نَكِداً}َ: النكد: كل شيء خرج إلى طالبه بتعسّر ،يقال: رجل نكد بفتح الكاف وكسرها ،وهو البخيل الممسك الذي يتعذر أخذ شيء منه بسهولة .وناقة نكداء: خفيفة الدَرّ صعبة الحلب .
{نُصَرِّفُ}: التصريف: تبديل الشيء من حال إلى حال ،ومنه تصريف الرياح .
{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} طيّباً لذيذاً كثيراً ،لأنه يتحرك من موقع الطبيعة الطيّبة الصافية التي تعيش القوّة ،فيخرج نباتها قوياً قوة الأرض التي أنتجته .{وَالَّذِي خَبُثَ} في أرضه نتيجة ما تحتويه من عناصر تعيق إنتاجيّتها وتعطّل عملية النموّ والامتداد{لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} أي بصعوبة وجهدٍ ؛وذلك كناية عن القلة ،لأن مثل هذه الطبيعة الخبيثة لا يمكن أن تنتج شيئاً كثيراً أمام المعوّقات الطبيعية هنا وهناك .{كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ} ونحوّلها في ما توحي به من فكرٍ ووعيٍ وشعور ...{لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} ،فيحوّلون الحياة عندهم إلى طاقةٍ خيّرةٍ منتجةٍ في ما تعطي للحياة وللاخرين .وذلك هو معنى الشكر العملي في حياة الإنسان .وربما كانت هذه الآية واردةً مورد المثل للذات الطيّبة التي تنتج الخير من خلال طبيعتها الخيّرة ،فتملأ الحياة خيراً كثيراً ؛وللذات الخبيثة المعقّدة التي تتحرك من موقع العقدة المرضية ،فلا تنتج إلا النكد والعذاب الذي لا ينتهي إلى شيء ..
دروس للعاملين في حقل التربية الإنسانية
وقد نستوحي من اختلاف النتائج الطيبة في البلد الطيب والخبيثة في البلد الخبيث في الوقت الذي يستويان فيه في نزول المطر عليهما ،أنَّ نزول المطر لا يكفي في الإنتاج الطيِّب وفي الخصب المثمر ،بل لا بد من أن تكون الأرض صالحةً قابلةً للخير بحسب خصائصها الذاتية التي تنفتح على الرحمة الإلهية ،فإذا كانت الأرض سبخةً مالحةً ،فلا يزيدها المطر إلا ملوحةً من دون أية فائدة ،وإذا كان للمطر دورٌ في بعض الإنتاج ،فلن يكون إلا شوكاً وحنظلاً لا غناء فيه ولا لذّة .وهكذا الإنسان الطيّب في عقله وقلبه وقابليته للخير ،يستقبل الكلمة الطيّبة ،والموعظة الحسنة ،والأسلوب الحكيم ،بالعقل المفتوح الذي ينتج عقلاً جديداً ،وبالقلب الطيّب الذي ينتج حبّاً لله وللإنسان وللحياة ،وبالحركة الطيّبة التي تمنح الحياة الكثير من عناصر تقدّمها ونموّها وحيويّتها ،بينما ينطلق الإنسان الخبيث الذي عشّش الباطل في فكره ،وتحرك الشر في قلبه ،وزحفت الجريمة إلى حياته ،ليزداد بالكلمات الطيّبة شراً وجريمة وبغضاً وعدواناً .
ومن الطبيعيّ ،أنه لا بد للعاملين في حقل التربية من دراسة ذلك كله ،من أجل أن يعرفوا كيف يصلحون الأرض قبل أن يضعوا فيها غراس الخير ،وأن يمهّدوا الأرض الخصبة قبل أن يتحركوا في عملية الإنتاج الفعلي .
إن الخبث في الأرض وفي الإنسان ليس خصوصية ذاتية ،بل هو شيء طارىء قد يأتي من هنا وهناك من خلال العناصر الخبيثة الخارجية التي تزحف إلى الإنسان بفعل البيئة أو الثقافة أو التربية السيئة ،أو إلى الأرض بفعل العناصر المرَضيَّة ،وما تحمله الرياح إليها ،مما تخبث خصائصه فتتعمق في داخله .
ولهذا لا بد للعاملين في حقل الخير الإنساني من الاندفاع في طريق تنقية الداخل من كلِّ وحول الشرّ وقذارات الجريمة .