{الرِّيَاحَ}: جمع ريح ،وهو الهواء المتحرك ،قال الراغب: كل موضع ذكر الله إرسال الريح بلفظ الواحد كان للعذاب ،وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع كان للرحمة .
{رَحْمَتِهِ}: المراد بها هنا المطر .
{أَقَلَّتْ}: أي رفعت ،والإقلال: حمل الشيء بأسره حتى يقلّ في طاقة الحامل له بقوّة جسمه ،يقال: استقل بحمله استقلالاً وأقله إقلالاً .
{سَحَاباً}: السحاب: الغيم الجاري في السماء ،واحده سحابة .
{سُقْنَاهُ}: سيّرناه .السَّوْق: حث الشيء في السير حتى يقع الإسراع فيه .
{لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ}: البلد الميت هو الأرض التي لا نبات فيها ولا مرعى .
حركة الرحمة الإلهية في الكون
وتأتي الآية التالية لتثير أمامنا صورة الرحمة الإلهية كيف تتحرك في آفاق الكون لتتحول إلى طاقةٍ تعطي الخصب والرخاء والحياة للأرض الميتة والبلد الميت ..{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً} ،مبشّراتٍ بالخير والحياة{بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} التي تغدق البركات من خلال رحمته في ما تثيره في الكون من حركة الرياح التي تتنوّع في سرعتها ،وفي طبيعتها ،وفي حملها ...فهي تتحرك لأداء المهمة التي أوكلها الله إليها ،وفي الخطّ الذي أرادها أن تسير فيه من خلال القوانين الطبيعيّة التي أودعها في الكون بحكمته وإرادته وقوّته ،{حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً} وحملته على ظهرها ،وانتظرت الأمر الإلهي التكويني ...{سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ} لا ماء فيه ولا كلأ ولا حياة ...{فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ} الذي جعلنا منه كل شيء حيٍّ ،{فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} في ما تتنوّع أشكالها وألوانها وخصائصها ...وهنا تأتي اللفتة القرآنية الموحية التي تنقل الفكر من هذه الصورة الحيّة المحسوسة التي يتحول فيها الموت إلى حياة ،إلى عقيدة الإيمان بالبعث بوصفه حياة بعد الموت في الدار الآخرة ،من خلال المقارنة بين الصورة المحسوسة هنا وبين الصورة الإيمانية هناك ،{كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وتخرجون من هذه الغفلة المطبقة التي تبعد عنكم كل وعيٍ ومعرفةٍ وإيمان .