{وَطَمَعاً}: الطمع: توقع محبوب يحصل .
{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} إفساد الفكر والعمل والعلاقات ،في المجالات الاجتماعية السياسية والاقتصادية والعسكرية ،فقد أعدها الله إعداداً صالحاً ،في ما يريد لها من حركةٍ وحياةٍ ،وأراد للناس ،من خلال وحي رسله ،أن يتابعوا خطوات الصلاح ،ولا يستسلموا لكل عوامل الفساد والإفساد ،لأن ذلك يمثل عدواناً على الحياة ،وانحرافاً عن خط الله ...وتلك هي مهمة الإنسان في إدارة طاقاته التي وهبه الله إياها ،بأن تكون كل فعالياتها للصلاح والإصلاح .وذلك هو معنى أن تكون أمانةً لله عنده ،فلا يحرّكها إلا بما يرضي الله ،في بناء الحياة لا في هدمها .{وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} لأنه هو الذي ينبغي للإنسان أن يخاف من عذابه ويطمع في ثوابه ويرجو رحمته ،وذلكأي الدعاء الذي يمثل عمق الإخلاص له واللجوء إليهما يجعله قريباً من رحمته ،فتكون رحمته قريبة منه ،ولكن بشرط أن يعيش الإنسان سلوك الإحسان في ما يقول أو يفعل ،لأن الرحمة ليست مجرّد حالةٍ عفويةٍ ،بل هي لطفٌ من الله ،يتصل بالأفق الداخلي للإنسان وبالحركة الطيّبة لحياته ،وذلك هو قوله:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} الذين أحسنوا بالروح وبالقول والعمل ...
التجارة مع الله روحية لا مادية
وقد يثير البعض في هذا المجال تساؤلاً حول معنى أن تكون علاقتنا بالله علاقة خوفٍ وطمع ؟أليس هذا مظهراً من مظاهر العقلية التجارية مع الله ،حيث ترتبط به على أساس خوف الخسارة والطمع في الربح ؟!أليس من الأقرب إلى خط الايمان أن تكون العلاقة نابعةً من المحبّة الخالصة له ،التي تنطلق من استحقاقه للعبادة ،لأنه أهلٌ لذلك ؟
ونجيب عن ذلك ،بأنّ الخوف والطمع لا يمثِّلان شعوراً تجارياً ،بالمعنى الماديّ للتجارة ،ولكنهما يمثّلان شعوراً روحيّاً خالصاً يعكس الإيمان بأنّ وجود الإنسان مرتبط بالله في كل شيء ؛مما يجعل من الدعاء لوناً من ألوان التعبير عن هذه الحالة الروحية التي تؤكد للذاتدائماًبأنّ قضية الإنسان مع الله هي قضية الفقر المطلق أمام الغنى المطلق ،في إحساسٍ بالذوبان في ذات الله ،في وعيٍ لمعنى العبودية في الذات الإنسانية .وبهذا تفترق التجارة المادّية بين الإنسان والإنسان في ما يخافه أو يطمع فيه ،عن التجارة الروحية بين الإنسان وربّه ،حيث تتحول القضايا المادية إلى معنىً روحيّ ،في مستوى الإيمان الخالص .