{تَضَرُّعاً}: تذّللاً .والتضرّع: التذلّل ،وهو إظهار الذلّ الذي في النفس ،ومثله التخشع ،ومنه التطلب لأمر من الأمور ،وأصل التضرع الميل في الجهات ذلاًّ من قولهم: ضرع الرجل يضرع ضرعاً إذا مال بإصبعه يميناً وشمالاً ذلاًّ وخوفاً ومنه ضرع الشاة لأن اللبن يميل إليه ،ومنه المضارعة للمشابهة لأنها تميل إلى شبه ،والضريع نبت لا يسمن لأنه يميل مع كل داء .
{وَخُفْيَةً}: الخفية خلاف العلانية ،من: أخفيت الشيء إذا سترته .
{لاَ يُحِبّ}: محبة الله للعمل ثوابه عليه ومحبته للعامل رضاه عنه .
{الْمُعْتَدِينَ}: المتجاوزين للحدود ،والاعتداء: تجاوز الحدود .
من أحبَّ الله أحبَّ عباده
{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا} بكل خشوعٍ وذلّةٍ ومسكنةٍ ،وافتحوا قلوبكم إليه ،وأَشهدوه على أنفسكم أنكم عباده الخاضعون المستكينون ،وارفعوا إليه أكفَّ الضراعة ،ليعطيكم ما تحتاجون إليه من كل شيء ،لأنه القادر على كل شيء ...{وَخُفْيَةً} في أنفسكم ،لتعيشوا الشعور الحميم بأنكم معه في كل المشاعر اللاهثة الحارة ،وفي كل التمنيات الروحية ،وفي كل الكلمات المبتهلة الخاشعة ...لا يشارككم أحد في هذا الجوّ الإلهيِّ الرائع ؛فلا أحد هناك إلاّ العبد وربّه ،مما يعمّق في نفس الإنسان الشعور بعبوديته الحقيقية لله ،وانتمائه الصادق إليه بكل هدوءٍ وإيمانٍ وإخلاصٍ ،وبذلك تفرغ كل أفكاره ومشاعره وممارساته من كل معاني الاعتداء ،فتصفو للناس وللحياة بالمستوى نفسه الذي تصفو به لله ،لأن صفاء الروح مع الله ،يحقق أعمق ألوان الصفاء مع الناس ؛إذ إن الإنسان إذا أحبّ الله أحبَّه عباده ،وذلك هو سرّ التفاعل بين العبد وربه ،فإذا أحب الإنسان ربه ترك كل شيء لا يحبه الله ،وبذلك فإنه يترك العدوان ،إذ{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .