وفي الآية اللاحقة يشير تعالى إلى حكم هو في الحقيقة شرط من شروط تأثير الدعاء ،إذ قال: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) .
ومن المسلم أنّ الأدعية إنّما تكون عند الله أقرب إلى الإجابة إذا تحققت فيها الشرائط اللازمة ،ومن جملة ذلك أن يكون الدعاء مقترنا بالجوانب البناءة والعملية في حدود المستطاع ،وأن تراعى حقوق الناس ،وأن تلقي حقيقة الدعاء بأنوارها وظلالها على وجود الإنسان الداعي بأسره ،ولهذا فلا تستجاب أدعية المفسدين والعصاة ،ولا تنتهي إلى أية نتيجة مرجوّة .
والمراد من «الفساد بعد الإصلاح » يمكن أن يكون الإصلاح من الكفر أو الظلم أو كليهما ،جاء في رواية عن الإمام الباقر( عليه السلام ): ( إنّ الأرض كانت فاسدة فأصلحها نبيّه( صلى الله عليه وآله وسلم ) »{[1411]} .
ومرّة أُخرى يعود إلى مسألة الدعاء ويذكر شرطاً آخر من شرائطه فيقول: ( وادعوه خوفاً وطمعاً ) .
أي لا تكونوا راضين معجبين بأفعالكم بحيث تظنون أنّه لا توجد في حياتكم أية نقطة سوداء ،إذ أنّ هذا الظن هو أحد عوامل التقهقر والسقوط ،كما لا تكونوا يائسين إلى درجة أنّكم لا ترون أنفسكم لائقين للعفو الإِلهي ولإجابة الدعاء ،إذ أنّ هذا اليأس والقنوط هو الآخر سبب لانطفاء شعلة السعي والاجتهاد ،بل لابد أن تعرجوا نحوه تعالى بجناحي ( الخوف ) و ( الأمل ) الخوف من المسؤوليات والعثرات ،والأمل برحمته ولطفه .
وفي خاتمة الآية يقول تعالى للمزيد من التأكيد على أسباب الأمل بالرحمة الإِلهية ( إنّ رحمة الله قريب من المحسنين ) .
ويمكن أن تكون هذه العبارة إحدى شرائط إجابة الدعاء ،يعني إذا كنتم تريدون أن لا تكون أدعيتكم خاوية ،ومجرّد لقلقة لسان ،فيجب أن تقرنوها بعمل الخير والإحسان ،لتشملكم الرحمة الإلهية بمعونة ذلك وتثمر دعواتكم ،وبهذا تكون الآية قد تضمنت الإشارة إلى خمسة من شرائط قبول الدعاء وإجابته ،وهي باختصار كالتالي:
1أن يكون الدعاء عن تضرّع وخفية .
2أن لا يتجاوز حدّ الاعتدال .
3أن لا يكون مقروناً بالإفساد والمعصية .
3أن يكون مقروناً بالخوف والأصل المعتدلين .
4أن يكون مقروناً بالبرّ والإحسان ،وفعل الخيرات .