قوله تعالى:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} .
ذكر في هذه الآية الكريمة: أن رحمته جل وعلا قريب من عباده المحسنين ،وأوضح في موضع آخر صفات عبيده الذين سيكتبها لهم في قوله:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة} [ الأعراف: 156] الآية .
ووجه تذكير وصف الرحمة مع أنها مؤنثة في قوله:{قَرِيبٌ} ولم يقل قريبة ،فيه للعلماء أقوال تزيد على العشرة .نذكر منها إن شاء الله بعضاً ،ونترك ما يظهر لنا ضعفه أو بعده عن الظاهر .
منها: أن الرحمة مصدر بمعنى الرحم ،فالتذكير باعتبار المعنى .
ومنها أن من أساليب اللغة العربية أن القرابة إذا كانت قرابة نسب تعين التأنيث فيها في الأنثى فتقول: هذا المرأة قريبتي أي في النسب ولا تقول: قريب مني ؛وإن كانت قرابة مسافة جاز التذكير والتأنيث .فتقول: داره قريب وقريبة مني ،ويدل لهذا الوجه قوله تعالى:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [ الشورى: 17] ،وقوله تعالى:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [ الأحزاب: 63] وقول امرىء القيس:
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم *** قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
ومنها: أن وجه ذلك إضافة الرحمة إلى الله جل وعلا .
ومنها: أن قوله{قَرِيبٌ} صفة موصوف محذوف أي شيء قريب من المحسنين .
ومنها: أنها شبهت بفعيل بمعنى مفعول الذي يستوي فيه الذكر والأنثى .
ومنها: أن الأسماء التي على فعيل ربما شبهت بالمصدر الآتي على فعيل ،فأفردت لذلك .قال بعضهم: ولذلك أفرد الصديق في قوله:{أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} [ النور: 61] ،وقول الشاعر:
وهن صديق لمن لم يشب *** ...اه
والظهير في قوله:{وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [ التحريم: 4] إلى غير ذلك من الأوجه .